جنكزخان، من قبيلة يعرفون نوحى [1] فسار إلى بلاد تركستان وما وراء النهر وملكها من أيدي الخطا، ثم حارب خوارزم شاه إلى أن غلبه على ما في يده من خراسان وبلاد الجبل، ثم تخطي أرّانيه فملكها. ثم ساروا إلى بلاد شروان وبلد اللّان واللكز فاستولوا على الأمم المختلفة بتلك الأصقاع. ثم ملكوا بلاد قفجاق وسارت طائفة أخرى إلى غزنة وما يجاورها من بلاد الهند وسجستان وكرمان فملكوا ذلك كله في سنة أو نحوها، وفعلوا من العيث والقتل والنهب ما لم يسمع بمثله في غابر الأزمان. وهزموا خوارزم شاه علاء الدين محمد بن تكش فلحق بجزيرة في بحر طبرستان فامتنع بها إلى أن مات سنة سبع عشر وستمائة لإحدى إحدى وعشرين سنة من ملكه. ثم هزموا ابنه جلال الدين بغزنة واتبعه جنكزخان إلى نهر السّند فعبر إلى بلاد الهند، وخلص منهم وأقام هنالك مدّة ثم رجع سنة اثنتين وعشرين إلى خوزستان والعراق. ثم ملك أذربيجان وأرمينية إلى أن قتله المظفّر حسبما نذكر ذلك كلّه مقسّما بين دولتهم ودولة بني خوارزم شاه أو مكرّرا فيهما. فهناك تفصيل هذا المحلّ من أخبارهم والله الموفق بمنّه وكرمه.
ثم توفي أبو العبّاس أحمد الناصر بن المستضيء في آخر شهر رمضان سنة اثنتين وعشرين سنة وستمائة لسبع وأربعين سنة من خلافته بعد أن عجز عن الحركة ثلاث سنين من آخر عمره وذهبت إحدى عينيه وضعف بصر الأخرى. وكانت حاله مختلفة في الجدّ واللعب وكان متفنّنا في العلوم وله تآليف في فنون منها متعدّدة، ويقال إنه الّذي أطمع التتر في ملك العراق لما كانت بينه وبين خوارزم شاه من الفتنة، وكان مع ذلك كثيرا ما يشتغل برمي البندق واللعب بالحمام المناسيب [2] ويلبس سراويل الفتوّة شأن العيّارين من أهل بغداد. وكان له فيها سند إلى زعمائها يقتصه على من يلبسه إياها، وكان ذلك كلّه دليلا على هرم الدولة وذهاب الملك عن أهلها بذهاب ملاكها منهم. ولما توفي بويع ابنه أبو نصر محمّد ولقّب الظاهر، وكان ولّي عهده عهد له أوّلا سنة خمس وثمانين وخمسمائة ثم خلعه من العهد وعهد لأخيه الصغير عليّ لميله