تاريخ ابن خلدون (صفحة 1030)

ولم يجب أحد إلى طاعة ابن موريق وقتل الروم قوفا الّذي كانوا ملّكوه لما ظهر من فجوره، وملّكوا عليهم هرقل فافتتح أمره بغزو بلاد كسرى وبلغ نصيبين، فبعث كسرى قائدا من أساورته فبلغ الموصل وأقام عليها يمنع الروم المجاوزة، وجاز هرقل من مكان آخر إلى جند فارس، فأمر كسرى قائده بقتاله فانهزم وقتل وظفر هرقل بحصن كسرى وبالمدائن، ووصل هرقل قريبا منها ثم رجع. وأولع كسرى العقوبة بالجند المنهزمين، وكتب إلى سخراب بالقدوم من خراسان وبعثه بالعساكر، وبعث هرقل عساكره والتقيا بأذرعات وبصرى [1] فغلبتهم عساكر فارس، وسار سخراب في أرض الروم يخرّب ويقتل ويسبي حتى بلغ القسطنطينيّة، ورجع وعزله أبرويز عن خراسان وولّى أخاه.

وفي مناوبة هذا الغلب بين فارس والروم نزلت الآيات من أوّل سورة الروم. (قال الطبري) ، وأدنى الأرض التي أشارت إليها الآية هي أذرعات وبصرى التي كانت بها هذه الحروب. ثم غلبت الروم لسبع سنين من ذلك العهد وأخبر المسلمون بذلك الوعد الكريم لما أهمّهم من غلب فارس الروم، لأن قريشا كانوا يتشيّعون لفارس لأنهم غير دائنين بكتاب، والمسلمون يودّون غلب الروم لأنهم أهل كتاب، وفي كتب التفسير بسط ما وقع في ذلك بينهم.

وأبرويز هذا هو الّذي قتل النعمان بن المنذر ملك العرب وعامله على الحيرة سخّطه بسعاية عديّ بن زيد العباديّ وزير النعمان، وكان قد قتل أباه وبعثه إلى كسرى ليكون عنده ترجمانا للعرب كما كان أبوه قد فعل بسعايته في النعمان وحمله على أن يخطب إليه ابنته، وبعث إليه رسوله بذلك عديّ بن زيد فترجم له عنه في ذلك مقالة قبيحة أحفظت كسرى أبرويز مع ما كان تقدّم له في منعه الفرس يوم بهرام كما تقدّم، فاستدعاه أبرويز وحبسه بساباط، ثم أمر به فطرح للفيلة [2] ، وولّى على العرب بعده إياس بن قبيصة الطائيّ جزاء بوفاء ابن عمه حسّان يوم بهرام كما تقدّم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015