وقال أنه مطول وله أعمال في الوصايا والدوريات وإخراج المجهولات وتعليقه على القصارى في الصرف وحاشية على شرح العزى في الصرف أيضاً للتفتازاني وعلى شرح العقائد وأجوبة عن اعتراضات العز بن جماعة على أصول الحنفية وتعليقة على الأندلسية في العروض وغير ذلك مما وقفت على أسمائه بخطه لأعلى هذا الترتيب كشرح مخمسة العز عبد العزيز الديريني في العربية واختصار تلخيص المفتاح وشرح منار النظر في المنطق لابن سينا. وهو إمام علامة قوي المشاركة في فنون ذاكر لكثير من الأدب ومتعلقاته واسع الباع في استحضار مذهبه وكثير من زواياه وخباياه متقدم في هذا الفن طلق اللسان قادر على المناظرة وإفحام الخصم لكن حافظته أحسن من تحقيقه مغرم بالانتقاد ولو لمشايخه حتى بالأشياء الواضحة والإكثار من ذكر ما يكون من هذا القبيل بحضرة كل أحد ترويجاً لكلامه بذلك مع شائبة دعوى ومساجحة ولقد سمعته يقول أنه أفرد زوائد متون الدارقطني أو رجاله على الستة من غير مراجعتها كثير الطرح لأمور مشكلة يمتحن بها وقد لا يكون عنده جوابها ولهذا كان بعضهم يقول أن كلامه أوسع من علمه، وأما أنا فأزيد على ذلك بأن كلامه أحسن من قلمه مع كونه غاية في التواضع وطرح التكلف وصفاء الخاطر جداً وحسن المحاضرة لا سيما في الأشياء التي يحفظها وعدم اليبس والصلابة والرغبة في المذاكرة للعلم وإثارة الفائدة والاقتباس ممن دونه مما لعله لم يكن أتقنه؛ وقد انفرد عن علماء مذهبه الذين أدركناهم بالتقدم في هذا الفن وصار بينهم من أجلة شأنه مع توقف الكثير منهم في شأنه وعدم إنزاله منزلته، وهكذا كان حال أكثرهم معه جرياً على عادة العصريين، وقصد بالفتاوى في النوازل والمهمات فبلغوا باعتنائه بهم مقاصدهم غالباً؛ واشتهر بذلك وبالمناضلة عن ابن عربي ونحوه فيما بلغني مع حسن عقيدته، ولم يل مع انتشار ذكره وظيفة تناسبه بل كان في غالب عمره أحد صوفية الأشرفة؛ نعم استقر في تدريس الحديث بقبة البيبرسية عقب ابن حسان ثم رغب عنه بعد ذلك لسبط شيخنا وقرره جانبك الجداوي في مشيخة مدرسته التي أنشأها بباب القرافة ثم صرفه وقرر فيها غيره ولكنه كان قبيل هذه الأزمان ربما تفقده الأعيان من الملوك والأمراء ونحوهم فلا يدبر نفسه في الارتفاق بذلك بل يسارع إلى إنفاقه ثم يعود لحالته وهكذا مع كثرة عياله وتكرر تزويجه، وبالجملة فهو مقصر في شأنه، ولما استقر رفيقه السيف الحنفي في مشيخة المؤيدية عرض عليه السكنى بقاعتها لعلمه بضيق منزله أو تكلفه بالصعود إليه لكونه بالدور الأعلى من ربع الحوندار فما وافق وكذا لما استقر الشمس الأمشاطي في قضاء الحنفية رتب له من معاليمه في كل شهر ثمانمائة درهم لمزيد اختصاصه به وتقدم صحبته معه ورتب له الدوادار الكبير يشبك من مهدي قبيل موته بيسير على ديوانه في كل شهر ألفين فما أظنه عاش حتى أخذ منها شهراً بل عين لمشيخة الشيخونية عند توعك الكافياجي بسفارة المنصور حين كان بالقاهرة عند الأشرف قايتباي وكذا بسفارة الأتابك أزبك فقدرت وفاته قبله، وعظم انتفاع الشرف المناوي به وكذا البدر بن الصواف في كثير من مقاصدهما بعد أن كان من أخصاء المحب بن الشحنة حتى أنه لعله أول من أذن لولده الصغير في الإفتاء ثم مسه منهم غاية المكروه جرياً على عادتهم بحيث شافهوه بمجلس السلطان بما لا يليق وانتصر له العز قاضي الحنابلة وهجرهم بسببه مدة حتى توسط بينهم العضد الصيرامي،