طلب العلم كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من يرد الله به خيرا يفقّهه في الدّين» (?) .
وقوله: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله له طريقا إلى الجنّة، وإنّ الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم» (?) .
فكان هؤلاء التابعون أرضا صالحة طيبة تتشرب نصوص السّنّة النبوية وأخبارها، تحفزهم دوافع التلقي نفسها التي كانت تحفز الصحابة على التلقي وأخذ الدين، ويحثهم على الضبط والإتقان ما كان يحث الصحابة الكرام على ذلك، وكانوا يعوضون ما فاتهم من مشاهدة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وسماعه بكثرة اسئلتهم لشيوخهم من الصحابة ودقة حفظهم، فكانوا كأدق آلات التسجيل حفظا، يخشون أي زيادة أو نقص في الدين، واستعانوا بالتدوين لحفظ ما سمعوا من أقوال وأفعال ومعجزات الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا من جاء بعدهم من تابعيهم ومن بعدهم إلى أن اكتمل تدوين علم الحديث النبوي، ودونت معه المعجزات وبينات الرسالة في الكتب المصنفة التي تناقلتها الآلاف المؤلفة من المسلمين جيلا بعد جيل عن طريق الحفظ والكتابة معا، بحيث يستحيل معه التشكيك فيها وفي نسبتها إلى مؤلفيها. وقد اشترط المحدثون للحديث الصحيح شروطا بالغة الدقة كما سيأتي بيانه ومنها أن يكون جميع رواة الحديث عدولا سالمين مما يقدح في دينهم، ضابطين لما نقلوه من العلم حفظا وكتابة مما يبعث على الثقة في نقلهم.