فالعهد الجديد، حين يتأسس تحت إشراف دولة ينبغي ألا يكون مجرد إعلان للسيادة الوطنية، إعلانا مسجلا في السطور الأولى من الدستور، بل ينبغي أن يكون أداة ضرورية لتنمية هذه السيادة، في كل أبعادها السياسية والاقتصادية والثقافية.
فإعلان السيادة حاصل منذ اللحظة الأولى. قد كتبته الدماء الزكية التي أراقها الشهداء على مذبح الوطن.
أما أداة التنمية، فإنها تتطلب أكثر من ذلك ... إنها تتطلب عرق الأحياء في عملهم المشترك، إذ هو يتكفل بها لمواصلة الكفاح من مقتضيات التحرير إلى متطلبات البناء.
إن الانضباط النفسي، الذي يتحلى به أولئك الذين سيتناولون، بعد الكفاح المسلح، المحراث أو المطرقة، القلم أو المبضع، الميزان أو أي أداة أخرى للعمل؛ إن هذه الأجيال المستمرة في اتجاه مرسوم والمثابرة عليه، هي التي تصنع الدولة على الصورة المتلائمة عضويا مع طبيعة هذا الدأب المستمر وأهدافه.
إن الدولة تصنع نفسها بما تنجز من أعمال، فهي السبب الذي تؤثر فيه نتائجه. ومن هنا، ومن هذه الزاوية بالذات، قد ندرك- إذا ما وازنا بين مفهوم الدولة ومفهوم الأمة- ما يعنيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الشريف: ((إنما هي أعمالكم ترد إليكم كما تكونوا يول عليكم)).
إن الحديث الشريف يعبر عن نظرة ذات أغوار سياسية اجتماعية بعيدة، نستطيع تلخيصها على الصعيد التربوي في هذه المقدمة: إذا أردت أن تصلح أمر الدولة فأصلح نفسك.
والمنهج التربوي هذا يهم أول ما يهم دولة ناشئة، لها فضائل الشباب ولها أيضا عيوبه.