إننا لو اعتبرنا الإسلام من جهة التاريخ المجردة، لرأيناه ثورة كبيرة غيرت كل البناءات السياسية والاجتماعية والأخلاقية والثقافية في المجتمع الجاهلي. إننا نراها في أصعب الظروف قد غيرت كل شيء، حتى أسماء معتنقيها، فكانت النمو الثوري في أدق ما في هذه الكلمة من معنى.

وإذا كان يسيرا على المعاصرين للرسول الكريم، أن يشعروا بذلك في أنفسهم، فإن محكمة أميركية استطاعت هذه الأيام أن تقدر هذا الأثر في شخص الملاكم محمد علي الذي طلّق حتى اسمه القديم (كسيوس كلاي).

إنها دروس حية نلم بمصيرها حين نوازنها مع أحسن الدروس الثورية في الحاضر، أو مع بعض الأخطاء في ثورات معاصرة.

إن الثورة الإسلامية تقدم لنا أولا درسا عاليا، ربما زهدنا فيه أو تناسيناه، في ضبط السلوك. ففي غزوة أحد حيث يتعرض جيش المسلمين لضربة قاسية من جيش المشركين تحت قيادة قريش، نرى النبي عليه الصلاة والسلام يرفض على الرغم من قلة عدد من معه من المهاجرين والأنصار وعدتهم، يرفض سند عبد الله بن أبي وهو على رأس المنافقين واليهود ويقول: ((لا يقاتل معنا إلا من هو على ملتنا)).

ولم يكن هذا الموقف مجرد اندفاع خاص في لحظة معينة، فالقرآن سيعطي له كل معناه في الآية الكريمة: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} [التوبة:147/ 9]، مجددا فيها السبب لتجنب القتال مع متطوعين غرباء عن الثورة، أي مجرد مرتزقة كما نقول اليوم.

فالثورة ليست كإحدى الحروب تدور رحاها مع العدد والعتاد، بل إنها تعتمد على الروح والعقيدة.

ولا شك أن هذا المبدأ هو الذي حدد سلوك القيادة السوفيتية أثناء الحرب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015