. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQش - أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ عِلْمَ حُصُولِ الْخَبَرِ ضَرُورَةٌ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حُصُولِ الْخَبَرِ ضَرُورَةُ تُصَوِّرِهِ أَوْ تَقَدُّمِ تَصَوُّرِهِ ; لِأَنَّ حُصُولَ الشَّيْءِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَصَوُّرَهُ. وَالْمُتَنَازَعُ فِيهِ تَصَوُّرُ الْخَبَرِ لَا حُصُولُهُ.
فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ الْعِلْمُ بِحُصُولِ الْخَبَرِ ضَرُورِيًّا، يَكُونُ تُصَوُّرُ الْخَبَرَ أَيْضًا ضَرُورِيًّا ; لِأَنَّ الْعِلْمَ بِحُصُولِ الْخَبَرِ هُوَ تَصَوُّرُهُ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْعِلْمَ بِحُصُولِ الْخَبَرِ هُوَ الْعِلْمُ بِثُبُوتِ النِّسْبَةِ أَوْ نَفْيِهَا. وَثُبُوتُ النِّسْبَةِ غَيْرُ تَصَوُّرِهَا.
وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ مَا قَالَ: إِنَّ حُصُولَ الْخَبَرِ هُوَ تُصَوُّرُهُ، بَلْ قَالَ: الْعِلْمُ بِحُصُولِ الْخَبَرِ، هُوَ تَصَوُّرُهُ. وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْعِلْمَ بِحُصُولِ الْخَبَرِ غَيْرُ تَصَوُّرِهِ.
ش - الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّا نُدْرِكُ بِالضَّرُورَةِ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْخَبَرِ وَغَيْرِهِ مِنَ الِاسْتِفْهَامِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ. وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ مَسْبُوقَةٌ بِتَصَوُّرِهِمَا، فَيَكُونُ تَصَوُّرُ هَذِهِ الْأُمُورِ بَدِيهِيًّا، لِأَنَّ السَّابِقَ عَلَى الْبَدِيهِيِّ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ بَدِيهِيًّا.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: " وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ ". وَلَمْ يَتَقَدَّمْ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ مِثْلُ هَذَا الدَّلِيلِ.
وَقَدْ قِيلَ فِي جَوَابِهِ: إِنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ غَيْرُ مَسْبُوقَةٍ بِتَصَوُّرِهِمَا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ.
ش - قَالَ الْقَاضِي وَالْمُعْتَزِلَةُ فِي تَعْرِيفِ الْخَبَرِ: الْكَلَامُ الَّذِي يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ.
فَـ " الْكَلَامُ " جِنْسٌ يَشْمَلُ الْخَبَرَ وَغَيْرَهُ. وَقَوْلُهُ: " الَّذِي يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ " يُخْرِجُ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالِاسْتِفْهَامَ وَسَائِرَ الْإِنْشَاءَاتِ.
وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا الْحَدِّ بِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ اجْتِمَاعَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِي كُلِّ خَبَرٍ ; لِأَنَّ الْوَاوَ يَقْتَضِي الْجَمْعَ. لَكِنَّ اجْتِمَاعَهُمَا مُحَالٌ ; لِأَنَّ الْخَبَرَ قَدْ يَكُونُ كَاذِبًا لَا يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ أَصْلًا، مِثْلَ قَوْلِنَا: الِاثْنَانِ فَرْدٌ، وَالثَّلَاثَةُ زَوْجٌ.
وَقَدْ يَكُونُ صَادِقًا لَا يَدْخُلُهُ الْكَذِبُ أَصْلًا، كَالْبَدِيهِيَّاتِ، لَا سِيَّمَا فِي خَبَرِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ احْتِمَالَ الْكَذِبِ فِي خَبَرِ اللَّهِ أَشَدُّ اسْتِحَالَةً، لَا لِنَفْسِ كَوْنِهِ خَبَرًا، بَلْ لِخُصُوصِيَّةِ كَوْنِهِ خَبَرَ اللَّهِ تَعَالَى.