. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلَهُ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللُّغَاتِ سَابِقَةٌ عَلَى بِعْثَةِ الرَّسُولِ، فَلَا تَكُونُ اللُّغَاتُ تَوْقِيفِيَّةً ; لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَوْقِيفِيَّةً يَلْزَمُ الدَّوْرُ. وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّوْقِيفَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْوَحْي، فَيَتَقَدَّمُ الْبَعْثَةُ عَلَى اللُّغَاتِ السَّابِقَةِ عَلَى الْبَعْثَةِ، فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ.
أَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِأَنْ قَالَ: لَا نُسَلِّمُ لُزُومَ الدَّوْرِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ اللُّغَاتِ تَوْقِيفِيَّةً، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الدَّوْرُ أَنْ لَوْ كَانَتِ اللُّغَاتُ سَابِقَةً عَلَى بَعْثَةِ جَمِيعِ الرُّسُلِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ.
لِأَنَّ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ إِلَّا عَلَى تَقَدُّمِ اللُّغَاتِ عَلَى بَعْثَةِ الرُّسُلِ الَّذِينَ لَهُمْ قَوْمٌ ; بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: بِلِسَانِ قَوْمِهِ.
فَيَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ بَعْثَةُ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى اللُّغَاتِ ; لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَكُنْ لَهُ قَوْمٌ، فَيَنْدَفِعُ الدَّوْرُ.
لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ يُعَلِّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اللُّغَاتِ بِالْوَحْي ثُمَّ عَلَّمَ آدَمُ غَيْرَهُ فَتَكُونُ اللُّغَاتُ مُتَأَخِّرَةً عَنْ بَعْثَةِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَبَعْثَةُ جَمِيعِ الرُّسُلِ الَّذِينَ لَهُمْ قَوْمٌ مُتَأَخِّرَةٌ عَنِ اللُّغَاتِ، فَلَا يَلْزَمُ الدَّوْرُ.
ش - هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى تَزْيِيفِ جَوَابٍ عَنْ دَلِيلِ الْبَهْشَمِيَّةِ، ذَكَرَهُ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ. وَتَوْجِيهُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اللُّغَاتِ لَوْ كَانَتْ تَوْقِيفِيَّةً يَلْزَمُ تَقَدُّمُ الْبَعْثَةِ عَلَى اللُّغَاتِ.
وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ أَنْ لَوْ كَانَ طَرِيقُ تَعْلِيمِهَا مُنْحَصِرَةً فِي الْوَحْيِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ التَّوْقِيفُ بِخَلْقِ الْأَصْوَاتِ وَالْحُرُوفِ فِي أَجْسَامٍ، كَمَا مَرَّ أَوْ بِخَلْقِ عِلْمٍ ضَرُورِيٍّ فِي وَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ بِأَنَّ اللُّغَاتِ مَوْضُوعَةٌ لِلْمَعَانِي.
وَزَيَّفَهُ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ التَّعْلِيمَ بِخَلْقِ الْأَصْوَاتِ أَوْ عِلْمٍ ضَرُورِيٍّ خِلَافُ الْمُعْتَادِ، وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا فِي ذَاتِهِ ; إِذِ الْمُعْتَادُ فِي التَّعْلِيمِ هُوَ التَّفْهِيمُ بِالْخِطَابِ، وَمَا كَانَ مُخَالِفًا لِمَا عَلَيْهِ الْعَادَةُ يُجْزَمُ بِعَدَمِ وُقُوعِهِ.
ش - قَالَ الْأُسْتَاذُ: الْقَدْرُ الَّذِي يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى الِاصْطِلَاحِ تَوْقِيفِيٌّ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنِ الْمُحْتَاجُ إِلَيْهِ [تَوْقِيفِيًّا] لَزِمَ الدَّوْرُ. وَالتَّالِي ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُقَدَّمِ.