إن الأسرة التي تقوم بالواجبات التي سبق ذكرها والتي هي جماع لما يسمى الآن بالتربية الخلقية والجسمية والعقلية والاجتماعية، لهي أسرة مثالية قادرة على تخريج رجال نافعين لأنفسهم ولأمتهم، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم واجبات الأسرة نحو أبنائها فيما ذكرنا من الرحمة والشفقة والعطف عليهم لأن تلك الأمور تعطي الأطفال الاطمئنان النفسي والثقة بالذات… والنشأة السوية والاهتمام بالواجب كما دعا الإسلام إلى التعويد على الصلاة باعتبارها عماد الدين كما أن على الأسرة أن تملأ فراغ الأطفال باللعب وتعلم فنون القتال وما يقوي الأجسام والقراءة النافعة الموجهة وقفل أبواب الفساد والانحراف وذلك بالتوجيه لهم إلى الصحبة الطيبة وإبعادهم عن رفاق السوء ومراقبتهم الدائمة من غير مضايقة لهم أو إشعارهم بذلك، كما أن حسن معاملة الوالدين لبعضهما ولأولادهما هو خير طريقة لتربيتهما لأن المعاملة القاسية والإحباط الدائم بالتوبيخ والضرب والإهانة والسخرية تؤدي إلى نتائج سيئة أهمها فقدان الثقة بالنفس وحب العزلة عن الناس والخوف وعدم تحمل أي مسئولية في الحياة والاعتماد على الغير، وربما الاتجاه نحو الجريمة والانحراف والشذوذ، ولذلك دعا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرحمة والرفق ولين الجانب وعذوبة الألفاظ والتوجيه الحسن والعقوبة المعقولة فالرسول صلى الله عليه وسلم يخبر بأن الراحمين يرحمهم الرحمن وأن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق مالا يعطي على سواه ويقول: "إن أراد الله تعالى بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق، وإن الرفق لو كان خلقا لما رأى الناس خلقا (بفتح الخاء) أحسن منه وإن العنف لو كان خلقا لما رأى الناس خلقا أقبح منه".

وأهم واجبات التربية الأسرية أيضا التربية الإيمانية للطفل وذلك بتوجيه عواطف الطفل نحو حب الله وحب رسوله وإخباره بأن الله يجب أن يكون أحب إليه من أمه وأبيه ونفسه التي بين جنبيه وإلى جانب عاطفة الحب تكون عاطفة الخوف من الله لأن العاطفة الأولى تؤدي إلى طاعة الله والعمل بما أمر والثانية تؤدي إلى البعد عن المعاصي قولية أو فعلية ظاهرة أو باطنة والأطفال يستهويهم الحديث عن الله وحبه والجنة والنار ووسائل الوصول إليهما، وعلى الآباء إشعار أبنائهم بأن حبهم له ينشأ من حاجتهم الدائمة إليه هم وآباؤهم لأن كل شيء بيد الله، الإحياء والإماتة والشقاء والسعادة، والرزق والنعمة والهداية والضلال وهذه الحاجة هي التي جعلتنا نحبه أولا ونقوم بواجب الشكر ثانيا من اتباع ما أمر واجتناب ما نهى، ويمكن غرس هذه المعاني في الطفل ساعة وصوله إلى مرحلة الاستغناء عن أمه ونمو قواه الجسمية والعقلية بحيث يستطيع فهم التوجيهات القرآنية والنبوية في ذلك وبحيث يستقر في قلبه أن مصدر كل شيء في الوجود هو الله، وتوجيهه إلى بعض الأحاديث مثل الحديث القدسي: "يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجال واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه" وكما روي الحديث.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015