تظهر هذه الصفات في الأجيال التالية ولذلك نجد الطب الحديث يبحث في الأمراض عما إذا كان المرض موجودا في العائلة أو قد وجد في جيل سابق كما أن العلم يقول إن الأبناء يرثون الاستعداد للشيء كالاستعداد للنبوغ أو الغباء أو الإصابة بأمراض معينة أو الانحرافات الخلقية وما إلى ذلك وهنا يظهر دور البيئة في نمو تلك الاستعدادات.

والبيئة تطلق على ما يحيط بالإنسان من أناس وبحار وبلاد وأرض وأجواء، وكما أن النبات لا يعيش وينمو ويثمر إلا إذا وجد التربة الصالحة والماء والهواء والضوء فكذلك الإنسان في جانبه المادي يتأثر بالناحية الجغرافية في البيئة من بحار وأنهار وأجواء وطبيعة وجبال وهضاب وغيره ذلك كما يتأثر بذلك في جانبه العقلي أما بيئة الإنسان الخاصة فهي المنزل والمسجد والمدرسة ودينه ومعتقداته ولغته وتراثه وما إلى ذلك.

ما أثر ذلك كله في التربية بعامة والتربية الإسلامية بخاصة؟.

إن الإنسان إذا نشأ في بيئة صالحة، وأسرة متدينة ومدرسة راقية ورفقة صالحة وأمة خيرة ونظام سياسي عادل وتربية ممتازة كان الشخص المثالي الذي تهدف التربية إلى إيجاده، أما إذا وجد في بيئة سيئة، أسرة منحلة ورفقة سيئة وأمة شريرة ونظام سياسي جائر وحاكم طاغ متجبر وأنظمة بشرية فاشلة وتربية لا تقوم على أساس فإن النتائج أفراد فاشلون وذلك مصداق لقول الله تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً} 1.

وقد أثبت علماء الوراثة أن الصفات الجسمية والخلقية والعقلية والنفسية لدى الآباء تكون استعدادا لدى الأبناء بما في آبائهم والقرآن يحدثنا أن أبناء الزناة يحملون استعدادا وراثيا للزنا من آبائهم ولذلك عبر عنه القرآن بقوله: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} 2، كما أن الأمراض الناشئة عن الزنا مثل السيلان والزهري قد تنتقل كاستعدادات وراثية لدى الأطفال، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول محذرا المهاجرين من خمس خصال ذكر منها "ولم تظهر الفاحشة في قوم قط يعمل بها علانية إلا فشا فيهم الطاعون الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم" 3، وقد أثبتت الدراسات لحالات المجرمين في جرائم مختلفة علاقة بين المجرم ومن مارس في قرابته نفس الجريمة التي ارتكبها فلذلك يرى بعض العلماء أن الزواج بين أبناء السكيرين أو المصابين بالأمراض جريمة لأن الأبناء يرثون الاستعداد لذلك، وقد سبق أن ذكرنا استنكار بني إسرائيل للسيدة مريم ذات السلالة الطاهرة النقية كيف أنجبت سيدنا عيسى من الزنا بدعواهم {يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} 4، وبعض العلماء يرى أن الإجرام ليس وراثيا إنما هو أثر من آثار البيئة على الإنسان فإذا أخذ الأولاد من الآباء السيئين ونشأوا في بيئة طيبة نشأوا عكس آبائهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015