الغار1، وقصة البَغِيِّ التي سقت الكلب، فشكر الله لها وغفر لها2. ومثل العمل الذي يثمر أعمالاً أُخر، ويقتدي به غيره، أو يشاركه فيه مشارك، وكدفع الضرورات العظيمة، وحصول المبرات الكبيرة، وكالمضاعفة لفضل الزمان أو المكان، أو العامل عند الله.
فهذه المضاعفات كلها شاملة لكل عمل.
واستثنى في هذا الحديث الصيام، وأضافه إليه، وأنه الذي يجزى به بمحض فضله وكرمه، من غير مقابلة للعمل بالتضعيف المذكور الذي تشترك فيه الأعمال. وهذا شيء لا يمكن التعبير عنه، بل يجازيهم بما لا عين رأت، ولا أُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
وفي الحديث كالتنبيه على حكمة هذا التخصيص، وأن الصائم لما ترك محبوبات النفس التي طبعت على محبتها، وتقديمها على غيرها، وأنها من الأمور الضرورية، فقدم الصائم عليها محبة ربه، فتركها لله في حالة لا يطلع عليها إلا الله، وصارت محبته لله مقدمة وقاهرة لكل محبة نفسية، وطلب رضاه وثوابه مقدماً على تحصيل الأغراض النفسية. فلهذا اختصه الله لنفسه، وجعل ثواب الصائم عنده. فما ظنك بأجر وجزاء تكفل به الرحمن الرحيم الكريم المنان، الذي عمت مواهبه جميع الموجودات، وخصّ أولياءه منها بالحظ الأوفر، والنصيب الأكمل، وقدر لهم من الأسباب والألطاف التي ينالون بها ما عنده على أمور لا تخطر له بالبال. ولا تدور في الخيال؟ فما ظنك أن يفعل الله بهؤلاء الصائمين المخلصين؟
وهنا يقف القلم، ويسيح قلب الصائم فرحاً وطرباً بعمل اختصه الله لنفسه، وجعل جزاءه من فضله المحض، وإحسانه الصرف. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
ودلّ الحديث على أن الصيام الكامل هو الذي يدع العبد فيه شيئين: المفطرات الحسية، من طعام وشراب ونكاح وتوابعها. والمنقصات العملية، فلا يرفث ولا يصخب، ولا يعمل عملاً محرماً، ولا يتكلم بكلام محرم. بل يجتنب جميع المعاصي، وجميع المخاصمات والمنازعات المحدثة للشحناء. ولهذا قال: "فلا يرفث" أي: لا يتكلم بكلام قبيح "ولا