الرشيد، وهو الإصابة في أقواله وأفعاله من كل وجه. فإن لم يدرك السداد من كل وجه فليتق الله ما استطاع، وليقارب الغرض. فمن لم يدرك الصواب كله فليكتف بالمقاربة. ومن عجز عن العمل كله فليعمل منه ما يستطيعه.

ويؤخذ من هذا أصل نافع دلّ عليه أيضاً قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] , وقوله صلّى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم"1 والمسائل المبنية على هذا الأصل لا تنحصر. وفي حديث آخر "يسِّروا، ولا تعسروا. وبَشِّروا ولا تنفروا"2.

ثم ختم الحديث بوصية خفيفة على النفوس، وهي في غاية النفع. فقال: "واستعينوا بالغدوة والروحة، وشيء من الدُّلجة" وهذه الأوقات الثلاثة كما أنها السبب الوحيد لقطع المسافات القريبة والبعيدة في الأسفار الحسِّية، مع راحة المسافر، وراحة راحلته، وصوله براحة وسهولة، فهي السبب الوحيد لقطع السفر الأخروي، وسلوك الصراط المستقيم، والسير إلى الله سيراً جميلاً. فمتى أخذ العامل نفسه، وشغلها بالخير والأعمال الصالحة المناسبة لوقته - أوّل نهاره وآخر نهاره وشيئاً من ليله، وخصوصاً آخر الليل - حصل له من الخير ومن الباقيات الصالحات أكمل حظ، وأوفر نصيب. ونال السعادة والفوز والفلاح وتم له النجاح في راحة وطمأنينة، مع حصول مقاصده الدنيوية، وأغراضه النفسية. وهذا من أكبر الأدلة على رحمة الله بعباده بهذا الدين الذي هو مادة السعادة الأبدية؛ إذ نصبه لعباده، وأوضحه على ألسنة رسله، وجعله ميسراً مسهلاً، وأعان عليه من كل وجه. ولطف بالعاملين، وحفظهم من القواطع والعوائق.

فعلمت بهذا: أنه يؤخذ من هذا الحديث العظيم عدة قواعد:

القاعدة الأولى: التيسير الشامل للشريعة على وجه العموم.

القاعدة الثانية: المشقة تجلب التيسير وقت حصولها.

القاعدة الثالثة: إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015