الحديث التاسع: الإيمان بالقدر

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم "كل شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى العَجْز والكَيْس" رَوَاهُ مُسْلِمٌ1.

هذا الحديث متضمن لأصل عظيم من أصول الإيمان الستة. وهو الإيمان بالقدر خيره وشره، حلوه ومره، عامه وخاصه، سابقه ولاحقه، بأن يعترف العبد أن علم الله محيط بكل شيء، وأنه علم أعمال العباد خيرها وشرها، وعلم جميع أمورهم وأحوالهم، وكتب ذلك في اللوح المحفوظ. كما قال تعالى {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحجّ:7] , ثم إن الله ينفذ هذه الأقدار في أوقاتها بحسب ما تقتضيه حكمته ومشيئته، الشاملتان لكل ما كان وما يكون، الشاملتان للخلق والأمر، وأنه مع ذلك، ومع خلقه للعباد وأفعالهم وصفاتهم، فقد أعطاهم قدرة وإرادة تقع بها أفعالهم بحسب اختيارهم، لم يجبرهم عليها. وهو الذي خلق قدرتهم ومشيئتهم. وخالق السبب التام خالق للمسبب. فأفعالهم وأقوالهم تقع بقدرتهم ومشيئتهم اللتين خلقهما الله فيهم، كما خلق بقية قواهم الظاهرة والباطنة. ولكنه تعالى يَسَّرَ كلاً لما خلق له.

فمن وَجَّه وجهه وقصده لربه: حبب إليه الإيمان وزينه في قلبه، وكرّه إليه الكفر والفسوق والعصيان، وجعله من الراشدين، فتمت عليه نعم الله من كل وجه.

ومن وجّه وجهه لغير الله، بل تولى عدوه الشيطان: لم ييسره لهذه الأمور، بل وَلاَّه الله ما تولى، وخذله، ووكله إلى نفسه، فضَلَّ وغوى وليس له على ربه حجة، فإن الله أعطاه جميع الأسباب التي يقدر بها على الهداية، ولكنه اختار الضلالة على الهدى، فلا يلومن إلا نفسه. قال تعالى: {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015