وذلك أن الحسب مرتبة عالية عند الخلق. وصاحب الحسب له اعتبار وشرف بحسب ذلك. وهو نوعان:
النوع الأول: حسب يتعلق بنسب الإنسان وشرف بيته. وهذا النوع إنما هو مدح؛ لأنه مظنة أن يكون صاحبه عاملاً بمقتضى حسبه، مترفعاً عن الدنايا، متحلِّياً بالمكارم. فهو مقصود لغيره.
وأما النوع الثاني: فهو الحسب الحقيقي الذي هو وصف للعبد، وجمال له وزينة، وخير في الدنيا والدين، وهو حسن الخلق المحتوي على الحلم الواسع، والصبر والعفو، وبذل المعروف والإحسان، واحتمال الإساءة والأذى، ومخالقة طبقات الناس بخلق حسن.
وإن شئت فقل حسن الخلق نوعان:
الأول: حسن الخلق مع الله، وهو أن تتلقى أحكامه الشرعية والقدرية بالرضى والتسليم لحكمه، والانقياد لشرعه، بطمأنينة ورضى، وشكر لله على ما أنعم به: من الأمر والتوفيق، والصبر على أقداره المؤلمة والرضى بها.
الثاني: حسن الخُلُق مع الخَلق، وهو بذل الندَى، واحتمال الأذى، وكف الأذى، كما قال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199] ، {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ ولا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:34، 35] . فمن قام بحسن الخلق مع الله ومع الخلق: فقد نال الخير والفلاح. والله أعلم.