الحديث الثامن والخمسون: البيّنة على من ادّعى.

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ يُعطى الناسُ بدَعْواهم لادَّعى رجالٌ دماءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ. وَلَكِنِ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ" رواه مسلم1.

وفي لفظ عند البيهقي: "البينة على المدعي، واليمين على من أنكر"2.

هذا الحديث عظيم القدر. وهو أصل كبير من أصول القضايا والأحكام؛ فإن القضاء بين الناس إنما يكون عند التنازع: هذا يدّعي على هذا حقاً من الحقوق، فينكره، وهذا يدعي براءته من الحق الذي كان ثابتاً عليه.

فبين صلّى الله عليه وسلم أصلاً يفض نزاعهم، ويتضح به المحق من المبطل.

فمن ادعى عيناً من الأعيان، أو ديناً، أو حقاً من الحقوق وتوابعها على غيره، وأنكره ذلك الغير: فالأصل مع المنكر.

فهذا المدعي إن أتى ببينة تثبت ذلك الحق: ثبت له، وحُكم له به وإن لم يأت ببينة: فليس له على الآخر إلا اليمين.

وكذلك من ادعى براءته من الحق الذي عليه، وأنكر صاحب الحق ذلك، وقال: إنه باق في ذمته، فإن لم يأت مدعي الوفاء والبراءة ببينة، وإلا حكم ببقاء الحق في ذمته؛ لأنه الأصل. ولكن على صاحب الحق اليمين ببقائه.

وكذلك دعوى العيوب، والشروط، والآجال، والوثائق: كلها من هذا الباب.

فعلم أن هذا الحديث تضطر إليه القضاة في مسائل القضاء كلها؛ لأن البينة اسم للمبين الحق. وهي تتفاوت بتفاوت الحقوق. وقد فصلها أهل العلم رحمهم الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015