سمع أعرابيّ رجلا يقع في الناس، فقال: قد استدللت على عيوبك بكثرة ذكرك لعيوب النّاس، لأنّ الطالب لها يطلبها بقدرما فيه منها.
قال الشاعر:
؟ ويأخذ عيوب النَّاس من عيب نفسه ... مرادٌ لعمري ما أراد قريب
وقال آخر:
واجرأ من رأيت بظهر غيبٍ ... على عيب الرِّجال أخو العيوب
وقال آخر:
فكلّ عيَّابٍ له منظرٌ ... مشتمل الثَّوب على عيب
كان يقال: ظلم منك لأخيك أن تقول أسوأ ما تعلم فيه.
قال أبو عاصم النبيل: لا يذكر الناس بما يكرهون إلا سفلة لا دين له.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ارعونَّ عن ذكر الفاسق بما فيه يعرفه الناس ".
قال الحجاج بن الفرافصة: قلت لمجاهد: الرجل يكون وقّاعاً في الناس، فأقع فيه، أله غيبة؟ قال: لا. قلت: من ذا الذي تحرم غيبته؟ قال: رجلٌ خفيف الظّهر من دماء المسلمين، خميص البطن من أموالهم، أخرس الّلسان عن أعراضهم، فهذا حرام الغيبة، ومن كان سوى ذلك فلا حرمة له، ولا غيبة فيه.
قال رجل لعمرو بن عبيد: إنّي لأرحمك مما يقول النّاس فيك. قال: فما تسمعني أقول فيهم؟ قال: ما سمعتك تقول إلاّ خيراً. قال: إيَّاهم فارحم.
قال عتبة بن أبي سيفيان لابنه عمرو: يا بنيّ نزّّه نفسك عن الخنا، كما تنزّه لسانك عن البذّا، فإن المستمع شريك القائل.
وهذا عندي مأخوذ من قول كعب بن زهير:
؟ إن كنت لا ترهب عن ذمِّي لما ... تعرف من صفحي عن الجاهل
فاخش سكوتي إذ أنا منصتٌ ... فيك لمسموع خنا القائل
فالسَّامع الذَّمِّ شريكٌ له ... ومطعم المأكول كالآكل
مقالة السُّوء إلى أهلها ... أسرع من منحدرٍ سائل
ومن دعا النَّاس إلى ذمِّه ... ذمُّوه بالحقِّ وبالباطل
فلا تهج إن كنت ذا ريبةٍ ... حرب أخي التَّجربة العاقل
فإنَّ ذا العقل إذا هجته ... هجت به ذا حبل حابل
يبصر في عاجل شدَّاته ... عليك غبَّ الضَّرر الآجل
ومن هذا المعنى قول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود:
فلو شئت أدلي فيكما غير واحد ... علانيةً أو قال عندي في السِّرِّ
فإن أنا لم آمر ولم أنه عائباً ... ضحكت له حتَّى يلجَّ ويستشري
ومن هذا أيضاً قول محمود الوراق:
تحرَّ من الطُّرق أوساطها ... وعدّ عن الجانب المشتبه
وسمعك صن عن سماع القبي ... ح كصون الِّلسان عن النُّطق به
فإنك عند استماع القبي ... ح شريكٌ لقائله فانتبه
قالت الحكماء: حسبك من شرٍّ سماعه.
قال الله عزّوجلّ: " سماعون للكذب أكَّالون للسُّحت ".
قال عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنه، قال لي أبي: إني أرى أمير المؤمنين - يعني عمر - يدنيك ويقربك، فاحفظ عني ثلاثاً: إياك أن يجرّب عليك كذبة، وإياك أن تفشي له سرَّاً، وإيَّاك أن تغتاب عنده أحداً، ثم قال: يا عبد الله! ثلاثاً وأيّ ثلاث. فقال له رجل: يا ابن عباس كلُّ واحدةٍ خير من ألف. فقال: بل كلُّ واحدةٍ خيرٌ من عشرة آلاف.
قال عبد الصمد بن المعذّل:
قد هجرنا مجلس الغي ... بة هجران التَّقال
ألَّفته عصبة نو ... كى لقيلٍ ولقال
ربّ من يشجيه ذكري ... وهو لا يجري ببالي
قلبه ملآن من خو ... في وقلبي منه خال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يرفع إلينا عورة مسلم ".
وقال صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل الجنة قتّات ".
وقال عليه السلام: " إياك ومهلك الثلاثة " قيل: وما مهلك الثلاثة؟ قال: " رجل سعى بأخيه المسلم فقتله، فأهلك نفسه وأخاه وسلطانه ".
وقالوا: قبول السِّعاية شرٌّ من السعاية، لأن السعاية دلالة والقبول إجازة.
قال يحيى بن أبي كثير: يفسد النَّمام والكذاب في ساعة ما لا يفسد الساحر في سنة.
قال سابق:
؟ إذ الواشي بغى يوماً صديقاً ... فلا تدع الصَّديق لقول واشٍ