لا تبرمنَّ مريضاً في عيادته ... يكفيك من ذاك تسآلٌ بحرفين
وللشافعي الفقيه رضي الله عنه وقد اشتكى بمصر شكوى عاده فيها بعض إخوانه، فلمسوا جبينه، وقالوا له: أنت بخير ونحو هذا، فقال:
أقول لعائديَّ وشجَّعوني ... وغرَّهم فتور حمى جبيني
تعزَّوا بالتَّصبُّر عن أخيكم ... فضجُّوا بالبكاء وودّعوني
فلم أدع الأنين لقلِّ سقمي ... ولكنِّي ضعفت عن الأنين
سأصبر للحمام وقد أتاني ... وإلاَّ فهو آتٍ بعد حين
وإن أسلم يمت قبلي حبيبٌ ... وموت أحبَّتي قبلي يسوني
قال المدائني: سقط عبد الله بن شبرمة القاضي عن دابته، فوثئت رجله، فدخل عليه يحيى بن نوفل الشاعر عائداً له ومادحاً، وكان جاره فأنشده:
أقول غداة أتانا الخبير ... ود سَّ أحاديثه هينمه
لك الويل من مخبرٍ ماتقول؟ ... أبن لي وعدِّ عن الجمجمه
فقال خرجت وقاضي القضا ... ة منفكَّةٌ رجله مؤلمه
فقلت وضاقت عليَّ البلاد ... وخفت المجلِّلة المعظمه
فغزوان حرٌّ وأمُّ الوليد ... إن الله عافى أبا شبرمه
جزاءً لمعروفه عندنا ... وما عتق عبدٍ له أو أمه
قال: وفي المجلس جارٌ ليحيى بن نوفل يعرف ما في منزله، فلما خرج تبعه، فقال له: ياأبا معمر! رحمك الله من غزوان وأمّ الوليد؟ قال: سنَّوران في البيت فاستر عليّ.
قال رسول الله صلىِّ الله عليه وسلِّم: " من ولي من أمور النَّاس شيئاً فاحتجب عن حاجتهم، احتجب الله عنه يوم القيامة وعن حاجته، وخلّته وفاقته ".
وقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: " من رفع حاجة ضعيفٍ إلى ذي سلطان لا يستطيع رفعها، ثبَّت الله قدميه على الصِّراط يوم القيامة ".
حجب معاوية أبا الدّرداء يوماً وحبسه عند بابه، فقيل له: يا أبا الدرداء! ويفعل هذا بك وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: من يأت أبواب السلطان يقم ويقعد.
قال عبد العزيز بن زرارة الكلابي:؟ دخلت على معاوية بن صخر على حين يئست من الدّخول
وما نلت الدُّخول عليه حتّى ... حللت محلّة الرّجل الذَّليل
وأغضيت الجفون على قذاها ... ولم أنظر إلى قالٍ وقيل
فأدركت الّذي أمّلت منه ... بمكثٍ والخطا زاد العجول
حجب أعرابيٌّ عند باب سلطان فقال:
أهين لهم نفسي لأكرمها بهم ... ولن يكرم النّفس الّذي لا يهينها
حدثني أبو القاسم خلف بن قاسم رحمه الله، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن عبيد الله الصَّيدلاني، قال:حدثنا عليُّ بن سليمان الأخفش، قال: أنشدني بعض أصحابنا:
في كلِّ يومٍ لي ببابك وقفةٌ ... أطوى إليها سائر الأبواب
فإذا جلست وغبت عنك فإنّه ... ذنبٌ عقوبته على البوّاب
استأذن أبو سفيان على عثمان رضي الله عنه، فأبطأ إذنه، فقيل حجبك أمير المؤمنين؟ فقال: لا عدمت من قومي من إذا شاء حجب.
قال معاوية لحضين بن المنذر: يا أبا ساسان كأنك لا تحسن إذنك. فأنشأ يقول:
كلُّ خفيف الرّأي يمشي مشِّمراً ... إذا فتح البواب بابك إصبعا
ونحن الجلوس الماكثون رزانةً ... وحلماً إلى أن يفتح الباب أجمعا
قال زياد لحاجبه: يا عجلان! إنّي ولّيتك ما وراء بابي، وعزلتك عن أربعة: طارق الليل فشرٌ ما جاء به، وخبر رسول صاحب الثغر فإنّه إن تأخر ساعة أبطل عمل سنة، وهذا المنادي الصّلاة وصاحب الطعام فإنَّ الطَّعام إذا أعيد عليه التَّسخين فسد.
قال مروان لابنه عبد العزيز - حين ولاّه مصر - يا بنيّ مر حاجبك يخبرك من حضر بابك كلّ يوم، فتكون أنت تأذن وتحجب، وآنس من دخل عليك بالحديث فينبسط إليك، ولا تعجل بالعقوبة إذا أشكل عليك الأمر، فإنّك على العقوبة أقدر منك على ارتجاعها.
كان يقال: لا تقم على باب حتى تدعى إليه.