وفي حديث أبي هريرة عن النبيّ عليه السلام، أنه قال: " ما جلس قومٌ مجلساً يقرءون فيه القرآن، ويذكرون السُّنن، ويتعلمون العلم ويتدارسونه بينهم، إلاّ حفّت بهم الملائكة، ونزلت عليهم السّكينة، وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده، فقيل له يارسول الله الرّجل يجلس إليهم وليس منهم، ولا شأنه شأنهم، أتأخذه الرحمة معهم؟ قال: نعم، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم ".
أنشد أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب، ويقال إنها له:؟ إن صحبنا الملوك تاهوا وعقّوا واستخفّوا كبراً بحقّ الجليس
أو صحبنا االنّجار صرنا إلى البؤ ... س وعدنا إلى عداد الفلوس
فلزمنا البيوت نستخرج العل ... م ونملا به بطون الطّروس
كان يقال: ذوو المروءة والدّين، إذا أحرزوا القوت لزموا البيوت. أنشد أبو عبد الله بن الأعرابيّ - صاحب الغريب -:؟ لنا جلساءٌ ما نملّ حديثهم ألّباء مأمونون غيباً ومشهدا
يفيدوننا من علمهم علم ما مضى ... وعقلاً وتأديباً ورأياً مسدّدا
بلا فتنةٍ تخشى ولا سوء عشرةٍ ... ولا نتّقي منهم لساناً ولا يدا
فإن قلت أمواتٌ فلست بكاذبٍ ... وإن قلت أحياءٌ فلست مفنّدا
ولهذا الشعر خبر لابن الأعرابي مع أحمد بن محمد بن شجاع، ذكرناه مع الأبيات في آخر كتاب " بيان العلم وفضله ". ولمحمد بن بشير في هذا المعنى من قصيد له:؟ فصرت في البيت مسروراً تحدّثني عن علم ما غاب عنّي في الورى الكتب
فرداً تخبّرني الموتى وتنطق لي ... فليس لي في أناسٍ غيرهم أرب
لله من جلساءٍ لا جليسهم ... ولا خليطهم للسوء مرتقب
لا بادرات الأذى يخشى رفيقهم ... ولا يلاقيه منهم منطقٌ ذرب
أبقوا لنا حكماً تبقى منافعها ... أخرى اللّيالي على الأيّام وانشعبوا
إن شئت من محكم الآثار يرفعها ... إلى النّبيّ ثقاتٌ خيرةٌ نجب
أو شئت من عربٍ علماً بأوّلهم ... في الجاهلية تنبيني بها العرب
أو شئت من سير الأملاك من عجمٍ ... تنبي وتخبر كيف الرّأي والأدب
؟ حتى كأنّي قد شاهدت عصرهم وقد مضت دونهم من دهرنا حقب
ما مات قومٌ إذا أبقوا لنا أدباً ... وعلم دينٍ ولا بانوا ولا ذهبوا
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " كفارة ما يكون في المجلس من الّلغط أن تقول: سبحانك الّلهمّ وبحمدك، لا إله إلاّ أنت، أستغفرك وأتوب إليك ".
وفي حديث آخر: " كفارة ما يكون في المجلس ألاّ تقوم حتّى تقول: سبحانك اللهمّ وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، يا ربّ تب عليّ واغفر لي، فإن كان مجلس لغوٍ كان كفّارته، وإن كان مجلس ذكرٍ كان كالطّابع عليه ".
وقال حّسان بن عطّية: ما من قوم كانوا في مجلس لغوٍ فختموه بالاستغفار إلاّ كتب لهم مجلسهم ذلك استغفاراً كله.
وروي عن جماعةٍ من أهل العلم بتأويل القرآن، في قول الله عز وجل: " وسبح بحمد ربك حين تقوم "، منهم مجاهد وأبو الأحوص وعطاء ويحيى بن جعدة قالوا: حين تقوم من كل مجلس تقول فيه: سبحانك اللهم وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك، قالوا: ومن قالها غفر له ما كان منه في المجلس.
وقال عطاء: إن كنت أحسنت ازددت إحساناً، وإن كان غير ذلك كان كفارة.
ومنهم من قال: تقول حين تقوم: سبحان الله وبحمده من كلّ مكانٍ ومن كلّ مجلس.
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظنّ أنها تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة حتّى يلقاه ... " الحديث.
قال معاذ: قلت يا رسول الله أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: " لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله ".
وروي عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم أنه قال: " أفضل الصدقة صدقة اللسان، تدفع بها الكريهة، وتحقن بها الدم ".
وقال عليه الصلاة والسلام: " أفضل الجهاد كلمة حقٍّ عند ذي سلطان جائر ".
قال أبو عنبة الخولاني رحمه الله: ربّ كلمةٍ خير من إعطاء المال. وقال أبان ابن سليم: كلمة حكمة لك من أخيك، خير لك من مالٍ يعطيك؟ لأنّ المال يطغيك والكلمة تهديك.