وقال عليه السلام: " إنما الصبر عند الصدمة الأولى ".
وقال عليه السلام: " ثلاث من رزقهن فقد رزق خير الدنيا والآخرة؛ الدعاء في الرخاء، والرضا بالقضاء، والصبر عند البلاء ".
قال علي رضى الله عنه: الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له.
قال محمد بن علي بن الحسين: الصبر صبران؛ فصبر عند المصيبة حسن جميل، والصبر عما حرم الله أفضل.
مات ابن لداود عليه السلام، فجزع عليه جزعاً شديداً، فأوحى الله إليه: أتفرح إذ جعلته فتنة، وتجزع إذ جعلته صلاة ورحمة.
مات ابن لخالد بن عبد الله القسري، فقامت الخطباء تعزيه فأطنبت، فقام دهقان فقال: أيها الأمير! إن رأيت أن تقدم ما أخرت من الصبر، وتؤخر ما قدمت من الجزع فافعل. فلم يحفظ إلا كلامه.
مات ابن لعمر بن عبد العزيز، فكتب إليه بعض إخوانه يعزيه عنه، فكتب إليه عمر: أما بعد، فإن هذا أمر كنا نعرفه، فلما وقع لم ننكره، والسلام.
عزى ابن عباس عمر عن ابن له، فقال له: عوضك الله منه ما عوضه منك.
عزى عبد الله بن عباس عبد الله بن جعفر، فقال: لا أعدمك الله الأجر على الرزية، ولا الخلف من الفقيد، وثقل به ميزانك.
قال العتبي:
كل حزن يبلي على قدم الدهر ... وحزني يجده الأبد
فجعت باثنين ليس بينهما ... إلا ليالٍ ليست لها عدد
ما عالج الحزن والحرارة في الأح ... شاء من لم يمت له ولد
قال سهم بن عبد الحميد: شهدت يونس بن عبيد وقد عزاه عمرو بن عبيد على ابنٍ له هلك، فقال: إن أباك كان أصلك، وإن ابنك كان فرعك، وإن امرءاً ذهب أصله وفرعه لحرى أن يقل بقاؤه.
قال عمر بن عبد العزيز: ما أحسن تعزية أهل اليمن، فكانت تعزيتهم: لا يحزنكم الله ولا يفتنكم، وأثابكم ما أثاب المتقين، وأوجب لكم الصلاة والرحمة.
عزت امرأة المنصور عن أخيه أبي العباس، فقالت: أعظم الله أجرك، فلا مصيبة أعظم من مصيبتك، وبارك الله لك فيما أتاك، فلا عوض أحسن من خلافتك.
كتب بعض العلماء إلى المنصور يعزيه: أما بعد، يا أمير المؤمنين، فإن أحق الناس بالرضا والتسليم لأمر الله من كان إماماً بعد الله، ولم يكن له إمام إلا الله.
عزى الزبير عبد الرحمن بن عوف عن بعض نسائه فقام على قبرها، فقال: لا اصفر الله ربعك، ولا أوحش بيتك، ولا أضاع أجرك، رحم الله متوفاك، وأحسن الخلافة عليك.
مات لرجل بنون فترك كلام الناس حيناً ثم انبسط وضحك، فقيل له في ذلك، فقال: كان قرحاً فبرأ.
قال حذيفة: إن الله لم يخلق شيئاً قط إلا صغيراً ثم يكبر، إلا المصيبة فإنه خلقها كبيرةً ثم تصغر.
قال الطائي:
ومهما يدم فالوجد ليس بدائم
وقال آخر:
وكما تبلى وجوه في الثرى ... فكذا يبلى عليهن الحزن
خرجت امرأة من العرب تريد المقابر حتى جلست على قبر ابنها، فقالت بصوتٍ لها ضعيف: هذا والله المنزل الحق، والوعد الصدق، والوعيد الشديد، والمسكن الذي ليس لأهل الدنيا عنه محيد، هذا والله المفرق بين الأحباب، والمقرب من الحساب، وبه يعرف الفريقان منازلهم، أهل السعادة وأهل الشقاء، لا أقول هجراً، ولكني أحتسب على الله مصابي بك يا بني، ففسح الله لك في ضريحك، وجمع بينك وبين نبيك، أما إني أقول علمي بك، كنت - والله عليم بباطنك - جواداً، إن أتيت أتيت رشاداً، وإن اعتمدت وجدت عماداً. ثم أنشأت تقول:
يا ليت شعري كيف غيرك الردى ... أم كيف صار جمال وجهك في الثرى
لله درك أي كهلٍ غيبوا ... تحت الجنادل لا يحس ولا يرى
لباً وحلماً بعد حزمٍ زانه ... بأس وجود حين يطرق للقرى
لما نقلت إلى المقابر والبلى ... دنت الهموم فغاب عن عيني الكرى
قال: ثم لم تزل تبكي وتشهق وتضرب على قرنيها حتى ماتت.
كان خالد بن برمك يقول: التعزية بعد ثلاث تجديد للمصيبة، والتهنئة بعد ثلاث استخفاف بالمودة.