كتب صاحب الروم إلى معاوية يسأله عن أفضل الكلام وما هو؟ والثاني والثالث والرابع؟ وكتب إليه يسأله عن أكرم الخلق على الله، وعن أكرم الإماء على الله، وعن أربعة من الخلق لم يركضوا في رحم، وعن قبر سار بصاحبه، وعن المجرة، وعن القوس، وعن مكان طلعت فيه الشمس لم تطلع فيه قبل ذلك ولا بعده. فلما قرأ معاوية الكتاب قال: أخزاه الله! وما علمي بما ها هنا؟ فقيل: اكتب إلى ابن عباس، فكتب إليه ابن عباس: أفضل الكلام لا إله إلا الله، كلمة الإخلاص لا عمل إلا بها، والتي تليها سبحان الله وبحمده، صلاة الخلق، والتي تليها الحمد الله، كلمة الشكر، والتي تليها الله أكبر، فاتحة الصلوات والركوع والسجود. وأكرم الخلق على الله آدم عليه السلام، وأكرم إماء الله مريم عليها السلام. وأما الأربعة الذين لم يركضوا في رحم: فآدم وحواء والكبش الذي فدى به إسماعيل، وعصا موسى حيث ألقاها فصارت ثعباناً مبيناً، وأما القبر الذي سار بصاحبه فالحوت الذي التقم يونس، وأما المجرة فباب السماء، وأما القوس فإنها أمان لأهل الأرض من الغرق بعد نوح، وأما المكان الذي طلعت عليه الشمس، لم تطلع فيه قبله ولا بعده، فالمكان الذي انفرج من البحر لبني إسرائيل مع موسى عليه السلام. فلما قدم عليه الكتاب أرسله إلى ملك الروم، فقال: لقد علمت أن معاوية لم يكن له بهذا علم، وما أصاب هذا إلا من أهل بيت النبوة.
وجه ملك الروم إلى معاوية بقارورة، فقال: ابعث إلى فيها من كل شيء حي، فبعث بها إلى ابن عباس، فقال: تملأ له ماء. فلما ورد به على ملك الروم، قال له أخوه: ما أدهاه! فقيل لابن عباس: كيف اخترت ذلك؟ قال: يقول الله عز وجل: " وجعلنا من الماء كل شيءٍ حي ".
قال المسيب بن واضح: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: حصر حصن بخراسان فأصابوا فيه رأس إنسان، فوزنوا سناً من أسنانه فوجدوها قدر منيين، فأنشأ عبد الله يقول:
أتيت بسنين قد رمتا ... من الحصن لما أثاروا الدفينا
على وزن منيين إحداهما ... تقل به الكف شيئاً رزينا
ثلاثون أخرى على قدرها ... تباركت يا أحسن الخالقينا
فماذا يقوم لأفواههم ... وما كان يملأ تلك البطونا
إذا ما تذكرت أجسامهم ... تقاصرت النفس حتى تهونا
وكل على ذاك ذاق الردى ... وبادوا جميعاً فهل خالدونا