جمع المأمون بين العتَّابي وبين أبي قرَّة النصراني، فقال لهما: تناظرا وأوجزا. فقال العتابي لأبي قرة: أسألك أم تسألني؟ فقال: سلني. قال: ما تقول في المسيح؟ قال: أقول إنه من الله عز وجل. فقال العتابي: إن " من " تجيء على أربعة أوجه: فالبعض من الكل على سبيل التجزؤ، والولد من الوالد على سبيل التناسل، والخل من الحلو على سبيل الاستحالة، والخلق من الخالق على سبيل الصنعة، فهل عندك خامسة قال: لا، ولكني لو قلت واحدة من هذه ما كنت تقول؟ فقال العتابي: إن قلت: إنه كالبعض من الكل جزّأته، والباري لا يتجزأ، وإن قلت: إنه كالولد من الوالد أوجبت ثانيا من الأولاد وثالثا ورابعاً إلى مالا نهاية، وهذا لا يجوز على الباري عز وجل، وإن قلت على سبيل الاستحالة، أوجبت فساداً، والباري لا يستحيل ولا ينتقل من حال إلى حال، وإن قلت: إنه كالخلق من الخالق، كان قولا حقا، وهو الحق الذي لا شك فيه. وصف إبراهيم النظام لأبي عبيدة معمر بن المثنى باليقظة وسرعة الجواب، فمر به يوماً ومعه قارورة زجاج، فأراد أن يختبره، فقال: يا أبا إسحاق! ما عيب هذه؟ فقال سريعة الانكسار، بطيئة الانجبار. فأعجب ذلك أبا عبيدة.
دخل المعتصم على خاقان عائداً فقال للفتح بن خاقان: أيُّما أحسن، دار أمير المؤمنين أم دار أبيك؟ فقال: ما دام أمير المؤمنين في دار أبي فدار أبي أحسن.
سمع سوارٌ القاضي الحجّاج بن أرطاة يقول: أهلكني حب الشرف، فقال: اتق الله تشرف.
قال مالك بن أنس: قدم على عمر بن عبد العزيز فتيان، فقالا: إن أبانا توفي فترك مالا عند عمنا حميد، فأمر عمر بإحضاره، فلما دخل عليه، قال له عمر: يا حميد أنت القائل:
حميد الّذي أمجٌ داره ... أخو الخمر ذو الشَّيبة الأصلع
أتاني المشيب على شربها ... وكان كريماً فما ينزع
فقال: نعم. قال: أما إذ أقررت، فأني سأجلدك؟ قال ولم؟ قال: لأنك أقررت بشرب الخمر، وزعمت أنك تنزع عنها. فقال: هيهات، أين تذهب بك؟ ألم تسمع قول الله يقول: " والشُّعراء يتَّبعهم الغاوون، ألم تر أنَّهم في كلِّ وادٍ يهيمون وأنَّهم يقولون مالا يفعلون "؟ قال عمر: أولى لك يا حميد، لقد أفلت. ثم قال: ويحك ياحميد، كان أبوك صالحاً، وأنت رجل سوء. قال: أصلحك الله، وأنت رجل صالح، وكان أبوك رجل سوء، وما كلُّ الناس يشبه أباه، فقال: إذن هؤلاء يزعمون أن أباهم توفي، وترك عندك مالاً. قال: صدقوا، وأنا أحضره الآن. فأحضره بخواتيم أبيهم، ثم قال: إن هؤلاء توفي أبوهم منذ كذا وكذا، وأنا أنفق عليهم من مالي وهذا مالهم. فقال عمر: ما أحدٌ أحقّ أن يكون عنده منك. قال: ما كان ليعود إليّ وقد خرج من عندي.
دخل الأحنف بن قيس التميمي على معاوية بن أبي سفيان يوماً، فقال: يا أحنف ما الشيء الملَّفف في البجاد؟ يعرض له بقول الشاعر:
إذا ما مات ميتٌ من تميمٍ ... فسرّك أن يعيش فجيء بزاد
بخبزٍ أو بتمرٍ أو بسمنٍ ... أو الشيء الملَّفف في البجاد
تراه يطوف في الآفاق حرصاً ... ليأكل رأس لقمان بن عاد
والشيء الملفف في البجاد: وطب اللبن. فعلم الأحنف ما أراد معاوية بتعريضه، فقال: الشيء الملفف في البجاد هو السخينة يا أمير المؤمنين. وذلك أن قريشاً كانت تعّير بأكل السخينة. وهي حساء من دقيق كانوا يصنعونها عند المسغبة وغلاء السعر.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما منح والدٌ ولده خيراً من أدب حسن " وفي رواية أخرى عنه عليه السلام أنه قال: " ما نحل والدٌ ولده خيراً من أدب حسن ".
قال سليمان بن داوود: من أراد أن يغيظ عدوَّه، فلا يرفع العصا عن ولده.
وقال محمد بن سيرين: كانوا يقولون: أكرم ولدك وأحسن أدبه.
كان يقال: من أدّب ولده أرغم أنف عدوه.
قال الحسن: التعلّم في الصغر كالنقش على الحجر.
قال الشاعر:
خير ما ورَّث الرّجال بنيهم ... أدبٌ صالحٌ وحسن الثّناء
هو خيرٌ من الدََّنانير والأو ... راق في يوم شدَّةٍ أو رخاء
تلك تفنى والدِّين والأدب الصَّ ... الح لا تفنيان حتَّى البقاء
إن تأدَّبت يا بنيّ صغيراً ... كنت يوماً تعدّ في الكبراء