وقدُّك غصنٌ حين هبَّت به الصبَّاَ ... وردْفكَ دعصٌ للرمال وثيرُ
وتخطو على أنبوبتين حًكاَهما ... من النخل جُمَّارٌ يجذّ؟ ُ قشير
وتحتهما مشطان رَخْصاَنِ دَلّها ... عُقُولَ ذوى الألْبَابِ حين تدورُ
ودَلُّكَ سحرٌ يَخْلِسُ العقل فاتنٌ ... ولفظُك دُرٌّ إن نطقت نشيرُ
فمالك في الدُّنيا من الناسِ مُشبْهٌ ... ولاَلَكَ في حوُر الجنان نظيرُ
وهذا الشعر من أحسن ما قاله متقدم أو متأخر في عموم وصف المرأة وأجمعه وأطبعه إن شاء الله تعالى، على أن هذا الوصف معدوم.
قال الله عز وجل " قُلْ للمُؤْمِنين يَغُضُّوا من أبْصاَرِهم "، " وقلْ للمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ من أبصاَرِهِنّ ".
ومنع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفضل بن العباس وهو رديفه، عام حجة الوداع، من النظر إلى الخثعمية، وصرف وجهه عنها.
ومنع بعض أصحابه الدخول عليه من أجل صفية زوجته، وقال لهم: إنها صفية.
ومنه امرأتين من نسائه من النظر إلى ابن أم مكتوم، فقالتا: أليس أعمى؟ فقال: أفعمياوان أنتما؟.
قال عقيل بن علفة: لأن ينظر إلى ابنتي مائة رجل خير من أن تنظر هي إلى رجل واحد.
نظر أبو حازم بن دينار إلى امرأة حسناء ترمى الجمار أو تطوف بالبيت، وقد شغلت الناس بالنظر إليها لبراعة حسنها، فقال لها: أمة الله! خمري وجهك، فقد فتنت الناس، فهذا موضع رغبةٍ ورهبة. فقالت له: إحرامي في وجهي أصلحك الله يا أبا حازم، وأنا من اللواتي قال فيهن العرجي:
من اللاّءِ لم يَحْجُجْنَ يبغين حِسْبةً ... ولكنْ ليقْتُلْن التَّقَّى المُغَفّلاَ
فقال أبو حازم لأصحابه: تعالوا ندع الله ألا يعذب هذه الصورة الحسنة بالنار، فقيل له: أفتنتك يا أبا حازم، فقال: لا، ولكن الحسن مرحوم.
هكذا روينا هذا الخبر عن أبي حازم من وجوه بألفاظ مختلفة ومعنى متقارب.
وذكر المدائني عن عبد الله بن عمر العمري، قال: خرجت حاجاً فرأيت امرأة جميلة تتكلم بكلامٍ أرفثت فيه، فأدنيت ناقتي منها، وقلت: يا أمة الله! ألست خاجة؟ أما تخافين الله؟ فسفرت عن وجه يبهر الشمس حسنا، ثم قالت: تأمل يا عمري، فإني ممن عناه العرجي بقوله:
أماطت كِساَءَ الخزّ عن حُرِّ وجهها ... وأدْنَتْ على الخدين بُردْاً مُهَلهْلاَ
من اللاّءِ لم يَحْجُجْنَ يبغين حِسبَةً ... ولكنْ ليقتُلْنَ البريءَ المغَفّلاَ
وترمى بعينيها القلوبَ ولحظِها ... إذا ما رَمَتْ لم تُخْط منهن مَقْتَلاَ
قال: فقلت: فأنا أسأل الله ألا يعذب هذا الوجه بالنار، قال: وبلغ ذلك سعيد بن المسيب؛ فقال: أما والله لو كان من أهل العراق، لقال: اغربي قبحك الله، ولكنه ظرف عباد أهل الحجاز.
قال عبد الله بن طاهر:
وجه يدلُّ الناظرين ... عليه في اللّيلِ البَهِيمْ
فكأنه روحُ الحَيا ... ةِ يَهْبُّ مِسْكيّ النسيمْ
في خدِّه ورد الجَمَا ... لِ يُعَلُّ من ماءِ النعيمْ
سقْمُ الصّحيح المُستَقِلِّ ... وصحة الرَجُلِ السَّقيم
نظر رجلان إلى جارية حسناء في بعض طرق مكة فمالا إليها فاستسقياها ماءً، لسقتهما فجعلا يشربانه ولا يسيغانه فعرفت ما بهما فجعلت تقول:
هما استسقيا ماءً على غير ظمأة ... ليستمتعا باللحظ ممن سقاهما
فعجبا من ذلك ودفعا الإناء إليها فمرت وهي تقول:
وكنتَ متى أرسلتَ طَرْفَك رائداً ... لقلبك يوماً أتعبَتْكَ المناظرُ
رأيتَ الذي لا كلّه أنت قادرٌ ... عليه ولا عَنْ بعضهِ أنت صابر
وقال آخر:
خليليَّ للبغضاء عينٌ مُبيِنَةٌ ... وللحبِّ آياتٌ تُرَى ومعارفُ
ألا إنّما العينانِ للقلبِ رَائدٌ ... فما تألفُ العينانِ فالقلبُ يألفُ
يحبُّ ويُدْنِى من يقلُّ خلافُهُ ... وليس بمحبوبٍ حبيبٌ مخالفُ
قال آخر:
ومَالَكَ منها غير أنَك رائدٌ ... بعينيْك عينيها فهلْ ذاكَ نافِعُ