وقول أبي العتاهية:
من ذا الذي يخفى علي ... ك إذا نظرت إلى خدينه
وهذا كثير جداً، والمعنى في ذلك: ألا يخالط الإنسان من يحمله على غير ما يحمد من الأفعال والمذاهب، وأما من يومن منه ذلك فلا حرج في صحبته.
قال ابن عباس: لو قال لي فرعون خيراً لرددت عليه مقاله.
قال الله عز وجل: " وإذا حييتم بتحيةٍ فحيوا بأحسن منها أو ردوها " وجاء في التفسير: أحسن منها لأهل الإسلام، أو ردوها لأهل الذمة.
وقيل لسعيد بن جبير: المجوسي يوليني خيراً فأشكره؟ قال: نعم. قيل: فإن سلم علي أفأرد عليه؟ قال: نعم.
وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال في أهل الذمة: " لا تبدءوهم بالسلام،وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه " فقد قال بذلك طائفة من أهل العلم منهم مالك بن أنس رحمه الله. روى بشير بن عمر الزهراني، عن مالك، أنه كان يكره السلام على أهل الذمة كلهم. قال بشير: فقلت: أترى أن يبدءوا بالسلام؟ قال: معاذ الله أما سمعت قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوَّي وعدوكم أولياء ".
وقال مالك: أكره مؤاكلة أهل الذمة، لأن المؤاملة توجب المودة.
وقد روي عن جماعة من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم، أنهم كانوا يبدءون بالسلام كل من لقوه من مسلم أو ذمى. فالمعنى في ذلك، والله أعلم، أنه ليس بواجب أن يبدأ المسلم المار القاعد الذمىَّ، والراكب المسلم الذمى الماشي، كما يجب ذلك بالسنة على من كان على دينه، فإن فعل فلا حرج عليه. فكأنه قال صلى الله عليه وسلم: " ليس عليكم أن تبدءوهم بالسلام " بديل ما روى الوليد بن مسلم عن عروة بن رويم، قال: رأيت أبا أمامة الباهلي يسلم على كل من لقي من مسلم وذمىّ، ويقول: هي تحيةٌ لأهل ملتنا، وأمان لأهل ذمتنا، واسم من أسماء الله نفشيه بيننا. ومحال أن يخالف أبو أمامة السنة، لو صحت في ذلك. بل المعنى على تأويلنا والله أعلم، وعلى هذا يصح تخريج هذه الأخبار ووجوهها.
ذكر ابن أبي شبيب، عن إسماعيل بن عياش، عن محمد بن زياد الألهاني، وشرحبيل بن مسلم، عن أبي أمامة، أنه كان لا يمر بمسلمٍ ولا يهودي ولا بصراني إلا بدأه بالسلام.
وروي عن ابن مسعود وأبي الدراء، وفضاله بن عبيد، أنهم كانوا يبدءون أهل الذمة بالسلام.
وقال ابن مسعود: إن من التواضع أن تبدأ بالسلام كلَّ من لقيت.
وعن ابن عباس، أنه كتب إلى رجل من أهل الكتاب: السلام عليك.
وسئل عبد الله بن وهب، صاحب مالك، عن غيبة النصراني، فقال: أو ليس من الناس؟ قالوا: بلى. قال: فإن الله عز وجل يقول: " وقولوا للناس حسناً ".
وقيل لمحمد بن كعب القرظي: إن عمر بن عبد العزيز سئل عن ابتداء أهل الذمة بالسلام فقال ترد عليهم ولا تبدؤهم. فقال محمد بن كعب: أما أنا فلا أرى بأساً أن تبدأهم بالسلام، قيل له: لم؟ فقال: لقوله عز وجل: " فاصفح عنهم وقل سلام ".
ومن حجة من ذهب إلى هذا قوله عز وجل: " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ".
وذهب جماعة من العلماء إلى مثل ما ذهب إليه عمر بن عبد العزيز في ذلك.
وروى ابن المبارك عن شريك عن أبي إسحاق، قال: كان يقال: من الحمق أن تؤاكل غير أهل دينك.
قال أبو الطمحان الأسدي:
كأن لم يكن بالقصر قصر مقاتل ... وزورة ظلٌ ناعمٌ وصديق
وإني وإن كانوا نصارى أحبهم ... ويرتاح قلبي نحوهم ويتوق
ولبعضهم في مجوسي ساق عنه صداق امرأته، وهو الأقيشر الأسدي:
شهدت عليك بطيب المشاش ... وأنك حرٌ جوادٌ خضم
وأنك سيِّد أهل الجحيم ... إذا ما ترديت فيمن ظلم
كفاني المجوسي مهر الرباب ... فدى للمجوسي خالٌ وعم
روى إسماعيل بن إسحاق، قال: سمعت ابن أبي أويس، يقول: سئل مالك، أترى بأساً إذا أهدى اليهودي أو النصراني للمسلم أن يكافئه، فقال: معاذ الله وما للمسلم أن يقبل هديته حتى يكافئه.
وقال آخر:
وجدنا في اليهود رجال صدقٍ ... على ما كان من دينٍ يريب
خليلان اكتسبتهما وإني ... لخلة ماجدٍ أبداً كسوب