ليت الباع لنا كانت مجاورةً ... وليتنا لا نرى مما نرى أحدا
إن السباع لتهدا في مرابضها ... والناس ليس بهاءٍ شرّهم أبدا
فاهرب بنفسك واستأنس بوحدتها ... تعش سليماً إذا ما كنت منفرداً
وقال منصور الفقيه:
أحذّرك الناس إلاّ قليلا ... فلا تبغين إليهم سبيلا
وفارقهم عن قليّ واتخذ ... إذا ما خشيت انفراداً خليلا
من الجنّ والجنّ إن تلقهم ... تجدهم أبرّ فعالا وقليلا
من الإنس،لا كان مستأنساً ... بهم طالبٌ من سواهم بديلاً
وقال أبو العتاهية:
أياربّ إنّ الناس لا ينصفونني ... وإن أنا لم أنصفهم ظلموني
وإن كان لي شيْ تصدّوا لأخذه ... وإن جئت أبغي شيئهم منعوني
وإن نالهم بذلي فلا شكر عندهم ... وإن أنا لم أبذل لهم شتموني
وإن طرقتني نكبةٌ فرحوا بها ... وإن صحبتني نعمةٌ حسدوني
سأمنع قلبي أن يحنّ إليهم ... وأحجب عنهم ناظري وجفوني
أنشدني حكم بن المنذر لنفسه:
وكنتم أخلائي الذين أعدّهم ... لصرف زمان إن ألمّ بداهيه
فأخلفتم ظني بكم فقليتكم ... فنفسي عنكم أخر الدهر ساليه
وقال آخر:
ولما رأيت الناس لا عهد عندهمصدفتوبيت اللهعن صحبة الناس
وصرت جليس الكتب ما عشت فيهم ... وأعلمت حسن الصبّر عنهم مع الياس
رأيت لهم كاساً من الغذر بينهم ... تدار وما بالقوم صبرٌ عن الكاس
وهذا الباب وما جانسه من معاني صحبة الناس والفرار منهم،واتخاذ الإخوان والزهد فيهم،قد أكثر الناس فيه جدا،وقد جمع فيه ابن وكيع فتقصىّ وكثّر وجوّد وغزر،وغرضنا في الكتاب أن نورد فيه ما تصلح المذاكرة به من غير تطويل،لأن الحفظ أكثر ما يكون مع التقليل،وبالله العون والتأييد والحول والقوة.
قال جعفر بن محمد: لقد عظمت منزلة الصّديق حتى عند أهل النار، ألم تسمع إلى قوله الله تعالى حاكيا عنهم: " فما لنا من شافعين، ولا صديق حميم ".
قال علىّ بن أبي طالب رضي الله عنه: لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ صديقه في غيبته وبعد وفاته.
قال سويد بن الصّامت:
ألا ربّ من تدعو صديقاً ولو ترى ... مقالته بالغيب ساءك ما يفري
مقالته كالشّهد ما كان شاهداً ... وبالغيب مأثورٌ على ثغره النّحر
تبين لك العينان ما هو كاتمٌ ... من الشرّ بالبغضاء والنظر الشّزر
يسرّك باديه وتحت أديمه ... تميمة غشّ تبترى عقب الظهر
فرشني بخير طالما قد بريتني ... وخير الموالى من يريش ولا يبرى
كان أبو العباس السّفاح إذا تعادى اثنان من أهل بطانته لا يسمع من أحد منهما في صاحبه شيئاً،وإن كان عدلا،ويقول:العداوة تزيل العدالة.
كان يقال:لا تجالس عدوّك فإنه يحفظ عليك عيوبك،ويماريك في صوابك.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:ابذل لصديقك كلّ المودة،ولا تبذل له كلّ الطمأنينة،وأعطه من نفسك كلّ المواساة،ولا تفضي إليه بكلّ الأسرار.
روى عن علىّ بن الحسين رحمه الله،أنه قال:لا يكون الصديق صديقاً حتى بقطع لأخيه المؤمن قطعةًمن دينه يرقّعها بالاستغفار.
قال غيره:من علامة الصديق أن يكون لصديق صديقه صديقاً،ولعدوّ صديقه عدوا.
قال يزيد بن الحكم الثّقفي:
تصافح من لا قيت لي ذا عداوه ... وأنت صديقي ليس ذاك بمستوى
في أبيات قد ذكرتها في باب البغي والحسد وغيره،وفي رواية أخرى:
عدوّك يخشى صولتي إن لقيته ... وأنت صديقي ليس ذاك بمستوى
وقال آخر:
عدوّ صديقي داخلّ في عداوتي ... وإنّي لمن ودّ الصديق ودود
فلا تقترب مني وأنت عدوّ من ... أصادقه فالخير منك بعيد
وقد أنشد المبرد هذين البيتين على قافية القاف على ما رواه شيخنا عيسى عن ابن مقسم،قال:أنشدني أبو على إسماعيل بن محمد الصّفّار،قال:أنشدني أبو العباس المبردّ: