قيل للملهب:ما السّؤدد؟ قال: أن يركب الرجل في منزله وحده،ويرجع إلى منزله في جماعة.
قيل لبعض العرب:ما علامة السيّد قيكم؟ قال: هو الذّي إذا أقبل هبناه،وإذا أدبر عبناه،ويروى اغتبناه.
قال عبيد بن الأبرص:
إذا أنت لم تعمل برأىٍ ولم تطع ... أولى الرّأي لم تركن إلى أمر مرشد
ولم تجتنب ذمّ العشيرة كلهّا ... وتدفع عنها باللسّان وباليد
وتحلم عن جهّالها وتحوطها ... وتقمع عنها نخوة المتهدّد
فلست ولو عللت نفسك بالمنى ... بذي سؤدد باد ولا قرب سؤدد
قال أنس بن مدرك:
عزمت على إقامة ذي صلاح ... لأمر ما يسوّد من يسود
وقال أبو الحسن الموسوى:
ما السّؤدد المكسوب إلاّ دون ما ... يومي إليه السّؤدد المولود
فإذا هما اتفقا تكسّرت القنا ... إن غولبا وتضعضع الجلمود
كان يقال:خصلتان لا يسود صاحبهما:الاستطالة في الأقرباء،والبطر في الأغنياء.
قال المرّار بن سعيد:
إذا شئت يوماً أن تسود قبيلة ... فبا لحلم سد لا بالسّفاهة والشّتم
وقال بعض أهل العلم:لا سؤدد إلاّ بالبخت والجدّ والسعّد،وذلك أنا قد رأيناهم يقولون:الأفعال المحمودة والأخلاق الجميلة توجب السؤدد والرياسة،والأفعال المذمومة والأخلاق الدنّية تمنع من السّؤود،ثم رأينا قوماً سادوا بأخلاق لا تحمد،وبأفعال لا ترضى،فمن ذلك:أن الحمق يمنع من السّؤدد،وقد ساد عيينة ابن حصن،وكان محمّقاً،وساد أبو سفيان وكان بخيلا،والبخيل يمنع من السّؤدد،وساد عامر بن الطّفيل،وكان عاهراً،ولا سؤدد مع العهر،وساد أبو جهل وما طرّ شاربه،ودخل دار النّدوة وما استوت لحيته،والحداثة تمنع من السؤدد،وساد شبل بن معبد البجلى،وما بالبصرة بجلىّ غيره، وهم يقولون:لا سؤود إلاّ بالعدد،ولما قال قومٌ للأحنف:لولا أنا سوّدناك ما سدت. قال فمن سودّ شبل بن معبد البجلى،وليس بالبصرة بجليّان.
وساد عتبة بن ربيعة وكان فقيراً إلى أن مات،حتى قيل:إنه لم يشبع قطّ،ولم يفضل عن قوت أهله قوت ضيفٍ واحد،وهم يقولون إنّ الفقر يمنع من السؤدد.
هذا كلّه يدلّك على أن السّؤدد بالبخت.
وقال غيره:أسباب السّؤدد سبعة:العقل والعلم والصيانة وأداء الأمانة والحذق والحلم والسخاء.
أبو سلمى:
لا بدّ للسّؤدد من أرماح ... ومن سفيهٍ دائم النّباح
ومن عديد يتّقى بالرّاح
أي لا يتقى بالدّعاء.
وقال غيلان بن سلمة الثقفيّ:
لا بدّ للسّؤدد من عديد
قال النابغة الذبيانيّ:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له ... وتتّقى صولة المستنفر الحامي
قال الحسن بن سهل يوماً: الشّرف في السّرف،فقيل له: لا خير في السّرف،فقال: لا سرف في الخير، فردّ اللّفظة واستوفى المعنى.
قال إسماعيل بن جعفر بن سليمان الهاشمي: عجبت لمن لا يكتب العلم كيف تدعوه نفسه إلى مكرمة.
ابن بشّار:
وإذا جزيت أخاً بذنب ... كان منه لم تسده
ولقلّما طلب الفتى ... لأخيه عيبا لم يجده
الهذلي:
وإنّ سيادة الأقوام فاعلم ... لها صعداء مطلبها طويل
لما توفى عبد الله بن طاهر،صلىّ عليه ابنه طاهر بن عبد الله ودفنه،وأعتق عند كل زاوية من زوايا قبره رقبةً من غلمانه،وفعل ذلك إخوته،ودفع كل نجلٍ منهم إلى كلّ غلام خمس مائة درهم،وكان عبد الله بن طاهر قد خلف أربعين ولداً ذكراً،فقال أبو العميثل الشاعر لمصعب بن عبد الله وكان يختص بطاهر وينادمه:ألا أدلّك على شئ تفعله فتقدم به سائر إخوتك عند الأمير طاهر؟ قال: بلى. فأنشده هذه الأبيات وقال:اكتب بها إلى الأمير،وهي:
يا من يحاول أن تكون خلاله ... كخلال عبد الله أنصت واسمع
فلأقصدنّك بالنصيحة والذّي ... حجّ الحجيج إليه فاقبل أو دع
إن كنت تطمع أن تحلّ محلّه ... في المجد والشّرف الأشم الأرفع
فاصدق وعفّ وبرّ وارفق واتئّد ... واحلم ودار وكاف واصبر واشجع