وروى هارون بن موسى الأعور عن سالم العلوى، قال: قال لي الحسن: خلّ بين الناس وبين هلالهم حتى يراه معك غيرك.
وكان شعبة يقول: سالم العلوي يرى الهلال قبل الناس بليلتين.
قال الخليل بن أحمد: الناس في سجن ما لم يمازحوا.
مزح الشعبي يوماً، فقيل له: يا أبا عمرو أفتمزح؟ قال: إن لم يكن هذا متنا من الغم، داخل، وهواء خارج.
كان محمد بن سيرين يداعب ويضحك حتى يسيل لعابه، فإذا أردته على شئ من دينه كانت الثريا أقرب إليك من ذلك.
أتت ابن سيرين امرأة الفرزدق شاكية، فلما خرجت تمثل:
لقد أصبحت عرس الفرزدق ناشزاً ... ولو رضيت زب استه لاستقرت
قيل لابن سيرين: إن قوماً يقولون من الشعر ما يوجب الوضوء، فعجب من جهلهم، وكان في المسجد، فتمثل:
نبئت أن فتاة كنت أخطبها ... عرقوبها مثل شهر الصوم في الطول
ثم قام فاستقبل القبلة وكبر مفتتحا لصلاته.
وقال شعبة: أقيمت الصلاة فأنشدنا عمرو بن مرة بيت شعر غزل، ثم افتتح الصلاة، وكان إمامهم.
وقد كره جماعة من العلماء الخوض في المزاح لما فيه من ذميم العاقبة، ومن التوصل إلى الأعراض، واستجلاب الضغائن، وإفساد الإخاء.
كان يقال: لكل شئ بدء، وبدء العداوة المزاح.
كان يقال: لو كان المزاح فحلاً، ما ألقح إلا الشر.
قال سعيد بن العاص: لا تمازح الشريف فيحقد، ولا الدنيء فيجترئ عليك.
قال ميمون بن مهران: إذا كان المزاح أمام الكلام فآخره الشتم واللطام.
قال جعفر بن محمد: إياكم والمزاح، فإنه يذهب بماء الوجه.
كان خالد صفوان يكره المزاح، ويقول: يسعط أحدهم أخاه بأحر من الخردل ويضحكه بأصلب من الجندل، ويفرغ عليه أشد من إلى المرجل، ويقول: مازحته.
قال إبراهيم ال نخعي: لا يكون المزاح إلا في سخف أو بطر.
قال أبو هفان:
مازح صديقك ما أحب مزاحاً ... وتوق منه في المزاح جماحاً
فلربما مزح الصديق بمزحةٍ ... كانت لباب عداوةٍ مفتاحاً
وقال ابن وكيع:
لا تمزحنَّ فإن مزحت فلا يكن ... مزحاً تضاف به إلى سوء الأدب
واحذر ممازحةً تعود عداوةً ... إن المزاح على مقدمة الغضب
ولأبي جعفر محمد بن جرير الطبري:
لي صاحب ليس يخلو ... لسانه عن جراح
يجيد تمزيق عرضي ... على سبيل المزاح
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إياكم وكثرة الضحك، فإنه يميت القلب، ويذهب بنور الوجه ".
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من كثر ضحكه استخف به وذهب بهاؤه.
وقال غيره من الحكماء: إياك والمشي في غير أرب، والضحك من غير سبب.
قال قتيبة بن مسلم لبنيه: لا تمازحوا فيستخف بكم، ولا تدخلوا الأسواق فترقَّ أخلافكم، ولا تبخلوا فيزدريكم أكفاؤكم.
قال أبو موسى بن الحسن بن عبد الصمد بن علي بن المعتصم:
الكبر ذل والتواضع رفعة ... والمزح والضحك الكثير سقوط
والحرص ذل والقناعة عزة ... واليأس من صنع الإله قنوط
وقال آخر:
فإياك إياك المزاح فإنه ... يجرى عليك الطفل والدنس النذلا
ويذهب ماء الوجه بعد بهائه ... ويورثه من بعد عزته ذلاَّ
وقال آخر:
ما أقبح الكذب المذموم صاحبه ... وأحسن الصدق عند الله والناس
وقال آخر:
للجد ما خلق الإنسان فالتمسن ... بالجدّ حظك لا بالهزل واللعب
لا يلبث الهزل أن يجنى لصاحبه ... ذما، ويذهب عنه بهجة الأدب
لا خير في الهزل فاتركه لقائله ... واهرب بعرضك منهم أوشك الهرب
وقال محمود الوراق:
تلقى الفتى يلقى أخاه وخدنه ... في لحن منطقه بما لا يغفر
ويقول كنت ممازحاً وملاعباً ... هيهات نارك في الحشا تتسعر
ألهيتنا وطفقت تضحك لاهياً ... عما به وفؤاده يتفطر
أو ما علمت ومثل جهلك غالب ... أن المزاح هو السباب الأكبر
فهؤلاء كرهوا المزاح وذموه، ولم يستثنوا منه قليلا من كثير، وأما منصور الفقيه فنهى عن الإكثار منه، فقال: