أنا ما عشت عليه ... أسوأ النّاس ثناء
إنّ من كان مسيئاً ... لحقيق أن يساء
وله أيضاً:
داود محمود وأنت مذمّمٌ ... عجباً لذاك وأنتما من عود
ولرب عودٍ قد يشقّ لسجدٍ ... نفصاً وسائره لحشّ يهود
وقال الفرزدق:
أترجو كليباً أن تجئ صغارها ... بخير وقد أعيا عليك كبارها
وقال أبو نواس:
لأبي نوحٍ رغيفٌ ... أبداً في حجر دايه
برّةٍ تمسحه الدّه ... ر بكم ووقاية
وله كاتب سوءٍ ... خطّ فيه بعنايه
فسيكفيكهم الل ... هـ إلى آخر آلايه
وقال فيه أيضاً:
أبو نوحٍ دخلت عليه يوماً ... فغدّائي برائحة الطّعام
فكان كمن سقى الظمآن آلا ... وكنت كمن تغدى في المنام
قال رجل خياط أعور لبعض الشعراء: والله لأخيطن لك قباء لا تدري أقباءٌ هو أم دوّاج، فقال: وأنا والله أقول فيك شعراً، لا تدري أمدح هو أم هجاء، فلما خاطه له قال فيه:
خاط لي عمرو قباء ... ليت عينيه سواء
قل لمن يسمع هذا ... أمديح أم هجاء
فلم يدروا ما أراد: صحة عينيه أم عماه.
ولرجل من بني تميم:
أمن عوز الرّجال وهم كثيرٌ ... حبا نصرٌ بإمرته عقيلا
فلو بكت المنابر من لئيم ... سمعت لعود منبره عويلا
وقال آخر:
من دون سيبك لون ليل مظلم ... وحفيف رائحةٍ وكلبٌ مرصد
والضيف عندك مثل أسود سالخٍ ... لا بل أحبّهما إلأيك الأسود
وقال آخر:
ورثنا المجد عن آباء صدقٍ ... أسأنا في ديارهم الصّنيعاً
إذا الحسب الرفيع تعاورته ... بناة السّوء أوشك أن يضيعا
وأحسن من هذا:
لسنا وإن أحسابنا كرمت ... يوماً على الأحساب نتّكل
نبني كما كانت أوائلنا ... تبني ونفعل مثل ما فعلوا
وقال آخر:
إن تلق ريب المنايا أو تردّفها ... لم نبك منك على دين ولا حسب
وقال آخر:
وإن تصبك من الأيام قارعةٌ ... لم أبك منك على دنيا ولا دين
قيل لمسلمة: أجرير أشعر أم الفرزدق؟ قال الفرذدق يبني، وجرير يخرب، وليس بقوّم الخراب شئ.
قال أعرابي في سعيد بن سلم:
مدحت ابن سلمٍ والمديح مهزّةٌ ... فكان كصفوانٍ عليه تراب
لكلّ أخي مدح ثوابٌ يعدّه ... وليس لمدح الباهلّي ثواب
قال أبو بكر السّامرى:
يا شاعراً يهتك من عقله ... أضعاف ما يهتك من عرضى
إذا هجاني جاءني شعره ... وبعضه يضحك من بعض
وهذا الباب أكثر من الحصى والتراب.
أما العقل فقد أوردت في معناه واشتقاقه والدّلالة عليه، وما جاء في ذلك من النثر والنّظم كتاباً كافياً، ونوردها هنا من صفات العاقل والأحمق ما تحسن به المذاكرة، ويجعل إيراده في المجالسة إن شاء الله تعالى.
ومن حديث ابن عمر، عن النبي صلّى الله عليه وسلم: لا يعجبنكم إيمان الرجل حتى تعلموا ما عقدة عقله " وروى عن النبي عليه وسلّم، أنه قال: " حقٌ على العاقل أن يكون له أربع ساعات، ساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يناجي فيها ربّه، وساعة يفضى فيها إلى إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه، ويصدقونه عن نفسه، وساعة يخلى فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحلّ ويجعل، فإن هذه الساعة عونٌ له على هذه الساعات، وإجمام للقلوب.
وحقٌ على العاقل ألا يظعن إلا في إحدى ثلاث: زادٌ لمعاده، ومرمّة لمعاشه، أو لذة في غير محرم. وعلى العاقل أن يكون عارفاً بزمانه، مالكاً للسانه، مقبلاً على شانه ".
أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السّلام: أتدرى لم رزقت الأحمق؟ قال: لا قال: ليعلم العاقل أن الرزق ليس باحتيال.
قال النبي صلى الله عليه وسلّم: " ثلاثٌ من حرمهنّ فقد حرم خير الدنيا والآخرة: عقلٌ يداري به الناس، وحلمٌ يردّ به السفيه، وورعٌ يحجزه عن المحارم ".