والواقع أننا إذا كنا نوافق على الربط بين التنمية الاقتصادية والنمو في عمليات التصنيع كمًّا وكيفًا، باعتبار أن التصنيع هو المدخل الأساسي للإنتاج -بكل أنواعه- وبالتالي المدخل لزيادة الناتج القومي وبالتالي متوسط الدخل الفردي، فإننا نؤكد أن النمو أو التغير الصناعي ليس مجرد نمط من التغير التكنولوجي أو الاقتصادي أو تغير في ثقافة المجتمع المادي فحسب، ولكنه يمثل نمطًا من التغير الاجتماعي والثقافي كذلك بوصفه نمطًا اجتماعيًا يتطلب تغيرًا في السلوك والقيم والعادات وبعض المعتقدات، كما يرتبط بنماذج ونظم الأسرة والاتجاهات الوالدية والعلاقة مع البيئة وأساليب التفاعل معها، كما يرتبط بمضامين وتوجهات التنشئة الاجتماعية، وبالدوافع النفسية كالدافع إلى العمل والإنجاز والتحكم في البيئة وطلب العلم، ويرتبط بمستويات الطموح والتطلع والتحقيق، كما يرتبط بطبيعة النمط التعليمي السائد وتوجهاته وأهدافه ومضامينه ... إلخ. هذا إلى جانب أن توجهات التصنيع وأنواعه وأهدافه وتوظيف عائده أمر يرتبط بالتوجهات السياسية وبناء القوة والتأثير داخل المجتمع، وبالتوجه الإيديولوجي السائد، ويرتبط بالسلوك السياسي للجماعات الاجتماعية المختلفة.
وقد اتسع مفهوم الصناعة في العصر الحديث، فهناك الصناعات الاستخراجية والتحويلية والخفيفة والوسيطة والثقيلة، وهناك الصناعات البيولوجية التهجين والتلقيح الصناعي، وهناك صناعة السياحة والفندقة، وحتى يقال صناعة الرأي العام ويقصد بها صناعة وسائل الاتصال وتكنولوجيات التعليم والتأثير في الجماهير.. وإذا كان مصطلح التحديث يرتبط بتزايد تحكم الإنسان في البيئة المادية والجغرافية وكأساليب متقدمة للتوافق الإيجابي معها، فإن التصنيع بكافة أشكاله يلعب دورًا مهمًا في هذا الصدد. وهذا يعني أن التصنيع يعد مدخلًا أساسيًّا للتحديث جنبًا إلى جنب مع المداخل الأخرى التي تحقق النمو الاجتماعي والثقافي والسياسي ...
ويمكن القول أن الاختلاف في تحديد العلاقة بين المفاهيم المذكورة-