لكن ابن خلدون ينبه إلى أن تدخل الدولة بشكل سافر في النشاط الاقتصادي للأفراد وقيامها بمصادرة أموالهم والتعسف في تقييد النشاط الاقتصادي -كما هو حادث الآن في الدول الماركسية- أمر يؤدي إلى خراب الدولة.

ثامنا: لم يغفل ابن خلدون عن العلاقة التفاعلية بين الإنسان والبيئة الطبيعية وهو ما يطلق عليه الآن الأيكولوجيا الإنسانية human ecology. وقد سبق ابن خلدون المفكر الفرنسي "مونتسكيو" في معالجة أثر العوامل الجغرافية على العمران في أكثر من موضع في مقدمته مثل: "المقدمة الثانية في قسط العمران من الأرض والإشارة إلى بعض ما فيه من الأشجار والأنهار والأقاليم، والمقدمة الثالثة في المعتدل من الأقاليم والمنحرف وتأثير في أخلاق البشر" ... إلخ. وبهذا يكون ابن خلدون سبق النظريات الأيكولوجية الحديثة في بيان العلاقة التفاعلية بين الإنسان والبيئة وأثر البيئة على لون الناس وأخلاقهم ونظامهم الإنتاجي. وقد عالج بشكل ممتاز العلاقة بين النمو السكاني والنمو العمراني، وبين هذين المتغيرين جملة وبين الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية. يقول في ذلك: ومتى زاد العمران زادت الأعمال ثم زاد الترف تبعا للكسب وزادت عوائده وحاجاته واستنبطت الصنائع لتحصيلها فزادت قيمتها وتضاعف الكسب في المدينة. وقد سبق ابن خلدون بهذا بعض آراء "أميل دوركيم" في رسالته للدكتوراه عن "تقسيم العمل الاجتماعي" هذه هي بعض إسهامات أحد علماء المسلمين يتضح منها إمكانية اعتباره مؤسس علمي الاجتماع والاقتصاد معًا، خاصة وأنه أشار إلى أهمية الدراسة الموضوعية للمجتمع استنادا إلى الملاحظة والمقارنة من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015