الصراع أو التيار المادي الجدلي. ونحن في مجتمعاتنا الإسلامية العربية، بحاجة إلى إعادة النظر في كل هذه التيارات المتصارعة التي ما زالت تدرس في جامعتنا، وإعادة النظر في فحصها من منظور نقدي، واستنادًا إلى الحقائق الواردة في القرآن الكريم والسنة، وإلى محاولات الفهم العلمي لواقعنا الاجتماعي من خلال دراسات واقعية هادفة وموجهة.
وقد تكفلت الشريعة الإسلامية بتقديم بناء متكامل للنظم الاجتماعية -أسرية واقتصادية وإدارية وعقابية وتربوية ... إلخ، التي تحقق النمو الروحي والعقلي والأخلاقي والاجتماعي للإنسان، وترقى به إلى مرتبة الخلافة عن الله سبحانه وتعالى- كما تحقق التقدم والنمو الاقتصادي والسياسي والعلمي والتكنولوجي للمجتمع الإسلامي، حتى تكتمل له أساليب القوة التي تمكنه من أداء رسالته الدينية القائمة على العدل والأخوة والمساواة، والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى. وهذه النظم الاجتماعية الإسلامية تختلف بشكل جوهري عن النظم الاجتماعية الوضعية -سواء التاريخية أو المعاصرة، في أن مصدرها هو الخالق البارىء المصور الذي خلق الإنسان بجانبيه الترابي والروحي السامي، كما خلق حاجاته وتطلعاته. وخلق المجتمع والتاريخ بسننهما. هذه النظم الاجتماعية الإسلامية المتضمنة في الشريعة المنظمة لشئون الإنسان وإشباع حاجاته - تجمع بين المثالية والواقعية، أو قل إنها تحقق الواقعية الأخلاقية بالمفهوم الإسلامي الكريم - وقد وجدت مجالها للتطبيق العملي خلال فترة دولة المدينة وعصر الرسول -صلي الله عليه وسلم- وعصر الخلفاء الراشدين من بعده وخلال العصور الإسلامية المزدهرة. وإذا كانت النظم الاجتماعية الوضعية المتصارعة والمتناقضة قد أدت إلى ضياع الإنسان وسقوطه، وإلى تعاقب الأزمات والمشكلات، فإن الحل الأساسي يكمن في تطبيق شريعة الله.
وقد حاولت في الجزء الأول من كتابي هذا أن أعرض لمفهوم النظم في علم الاجتماع وأساليب دراستها سوسيولوجيًا، وللأسس البنائية للمجتمع