ثم بكِّر إلى الجامع، واسع إليه على الهينة والتؤدة والسكينة؛ فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشًا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر)) (?).
ثم إذا دخلت الجامع فاطلب الصف الأول، فإذا اجتمع الناس فلا تتخط رقابهم ولا تمر بين أيديهم وهم يصلون، واجلس بقرب حائط أو أسطوانة حتى لا يمروا بين يديك، ولا تقعد حتى تصلي التحية، ولا تتركها وإن كان الإمام يخطب، وأكثر من الصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا اليوم خاصة.
ومتى خرج الإمام فاقطع الصلاة والكلام واشتغل بجواب المؤذن، ثم استماع الخطبة والاتعاظ بها، ودع الكلام رأسًا في الخطبة ففي الخبر: ((إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت)) (?) أي: لأن قوله: أنصت كلام، فينبغي أن ينهى غيره بالإشارة لا باللفظ.
ثم اقتدِ بالإمام كما سبق.
ثم صلِّ بعد الجمعة ركعتين أو أربعًا، وكن حسن المراقبة للساعة الشريفة، فإنها مبهمة في جميع اليوم، ولا تحضر في الجامع مجالس الحِلَق ولا مجالس القُصّاص، بل مجلس العلم النافع وهو الذي يزيد في خوفك من الله تعالى وينقص من رغبتك في الدنيا، فكل علم لا يدعوك من الدنيا إلى الآخرة فالجهل أعود عليك منه، فاستعذ بالله من علم لا ينفع.