من فرد كلمة رماني ... كن الوفا ما كان
كل الذخاير تنفع ... حتى الذنوب السالفة
إذا ذكرها العاصي ... يستغفر الرحمان
والشخص يرمي كلمة ... من كان قريب يحرد لها
فكل من قال طاسة ... تخاصمو القرعان
ما نفرض إلا تحرد ... أحرد من أربع مية سنة
وأنت آش لك معنى ... إن لم تكن حردان
ومن لطايف البغاددة أيضاً في هذا الفن قول بعضهم وهو:
أنا عرفتو حظي ... إلى من أحسنتوا يسيء
لو كنت أعشق ظلي ... ما كنت قط أراه
فلو مشيتو مع ابني ... قالوا صبي قد ولفه
ولو حملتو مصحف ... قالوا كتاب الباه
أنا عليك إذا فزع ... وإلا على آش قلبي أنا
لا تلتقي في شبابك ... بعض الذي تلقاه
من حال ما أبصرك تنفر ... وتعفص أنفك بالحرد
كأنك بن الخليفة ... أو بن شاه هنشاه
قلت: ويعجبني قول القائل:
وحش وحق المصحف ... تكون سلطان الهوى
وما يكن لك قدرة ... تصبر على الهجران
ويعجبني أيضاً قول القائل:
الحار عندك بارد ... والنهر عندك منقطع
والعين صا ما فيها ... واش يعمل القوام
وله وزنان: الأول منهما، بيته مركب من أربعة أقفال، منها ثلاثة متساوية في الوزن والقافية والآخر هو الثالث أطول منها وهو مهمل بغير قافية.
والوزن الثاني منها بيته مركب من ثلاثة أقفال مختلفة الوزن متفقة القافية يكون القفل الأول منها أقصر من الثاني والثاني أقصر من الثالث.
ومخترعوه البغداديون أيضاً في دولة الخلفاء من بني العباس برسم السحور في شهر رمضان المعظم.
واشتقاق اسمه من قول المغنين للسحر كل بيت منه بعد غناء الرمل والجزل: قوما للسحور ينبهون به رب المنزل ويذكرون فيه مدحه والدعاء له وتقاضيه بالأنغام، فأطلقوا عليه هذا الاسم وصار علماً له. ثم لما شاع وكثر فيه التصنيف نظموا فيه الغزل والزهد وسائر الأعوان كما قبله من الفنون.
وقيل: إن أول من اخترعه ابن نقطة برسم الخليفة الناصر. والصحيح أنه مخترع من قبله، وكان الناصر يطرب له، وكان لابن نقطة ولد صغير ماهر في نظم القوما والغناء به، وأراد أن يعرف الخليفة بموت والده ليجريه على مفروضه، فتعذر ذلك عليه، فصبر إلى دخول شهر رمضان ثم أخذ أتباع والده من المسحرين ووقف في أول ليلة من الشهر تحت الطيارة وغنى النوبة بصوت رقيق فأصغى الخليفة إليه فأطربه، فلما وصل إلى القوما:
يا سيد السادات ... لك بالكرم عادات
أنا بني ابن نقطة ... وبيي تعيش إنت مات
فأعجب الخليفة منه هذا الاختصار وأحضره وخلع عليه وفرض له ضعفي ما كان لأبيه.
وهذا البيت من الوزن الاول الذي بيته بأربعة أقفال وثلاث قواف.
ولا ينبغي أن تنظم القوما إلا باللفظ العامي السهل الرقيق أسوة بالكان والكان بل أرق منه ألا ترى إلى رقة هذا البيت كيف أطرب الخليفة وكان معجماً كلفظ القريض لما حرّكه.
هذا الفن وما قبله من كان وكان لأهل العراق فيهما اليد الطويلة دون غيرهم من أهل البلاد؛ وربما تكلف بعض أهل البلاد لبعض الكان والكان دون القوما لاشتهاره ولكن فاته في نظمه الظرف العراقي وعذوبة الألفاظ. وكل بيت من القوما قائم بنفسه ك: المواليا والدوبيت وكذلك إذا نظم الناظم منه قطعة كالقصيدة على رويّ واحد جاز له تكرار قافية كل بيت منها في آخره، فمن لطائف أهل العراق قولهم من ضروبات القوما وهو:
إن ردت تخطي بحور ... إجعل كفوفك بحور
وإلا فلا تتعشق ... قدودنا والنحور
ومثله في الظرف ثانياً قولهم:
يمي يريد عصفور ... ولا يكون نفور
يعبر لباب الحلبة ... يجي لباب الصور
ومثله في الظرف ثالثاً قولهم:
إنهض وصفي الخمور ... على الغنا والزمور
حتى نطاوع أمرك ... بما وتجري أمور