واشتقاق المزنم، وهو المستلحق في قوم ليس منهم، وأما قوله تعالى: " عتل بعد ذلك زنيم " أي لئيم، وكأنهم ألحقوا الزجل بالموشح من طريق إعراب بعضه وألحقوا بالموشح الزجل لما أظهروا اللحن في بعض ألفاظه، فمن الموشحات المزنمة التي نظمها ابن غزلة المغربي المشار إليه الموشحة التي قتل بسببها لأنه شبب فيها بذكر أخت عبد المؤمن الأموي، ولم يكتم غرامه وهيمانه بها، بل صرح بالاجتماع بها، والواقعة مشهورة، وكانت هي أيضاً جميلة الخلق فصيحة اللسان تنظم الأزجال الرائعة الفايقة ومطلع الموشح قوله:
من يصيد صيدا فليكن كما صيدي ... صيدي الغزالة من مراتع الأسد
كيف لا أصول ... واقتنصت وحشيه
ظبية تجول ... في ردا وسوسيّه
صاغها الجليل ... فهي شبه حوريه
تنثني رويدا إذ تميس في البردي ... تعجن الغلاله والردى مع النهدي
رب ذات ليله ... زرتها وقد نامت
والرقيب في غفله ... والنجوم قد مالت
رمت منها قبله ... عند ضمها قالت
قرقر واهدا لا تكون متعدي ... تكسر النباله وتفرط العقدي
فهذا البيت أكثر ألفاظه زجلية ملحونة، وجل قصده في ذلك عذوبة الألفاظ ورشاقتها.
وقيل: إنه لما أخرجه الملك للقتل نظر إلى الناس وارتجل بيتاً في الوزن والقافية يستنجد به عشيرته لأخذ ثأره. وهو:
خدها الأسيل ... بدت منه أنوار
طرفها الكحيل ... سل منه بتار
ها أنا القتيل ... فهل يؤخذ الثار
قد أسرت عبدا ولم أك بالعبدي ... مت لا محالة فاطلبوا دمي بعدي
ومن نظمها فيه الزجل المشهور الذي مطلعه:
مشى السهر حيرانحتى رأى إنسانعيني وقف
ومن الأزجال التي زنم فيها ابن قزمان، وأعرب في بعض ألفاظها وهو الناهي عن ذلك قوله في بيت من زجل مطلعه:
شرب الخمر المحتسب وزنا ... قاضي المسلمين أت هو السبب
سيدي ليش جعلت ذا محتسب
ومحكم في أمر أهل الأدب
وهو زاني زنيم كثير الزنا
الإمام لم يكفه فتح الياء وتحريكها من الاسم المنقوص الذي هو القاضي حتى فتح أيضاً نون المسلمين. وفتح نون الجمع من أكبر علائم الإعراب، وبدون فتحها يخطئ الوزن ولفظه. وهو أيضاً مقبول في الزجل.
وله فتح الياء في غير المنقوص أيضاً وهو من علائم الإعراب، وذلك في مثل ياء المتكلم، والياء في لفظه هي وغيرها كقوله في زجل مطلعه هذا:
قلي يا عيد فيما يسرني جيت ... أو تجدد علي ما قد نسيت
فيقول في خرجة بيت منه:
إذا انقطع زماني الأطول ... وعليه الثنا يكون ما بقيت
فقد فتح ياء المتكلم في زماني الأطول ولولا ذلك لفسد الوزن.
وقال في تحريك هي:
الجنة لو عطيتهي الراحوعشق الملاح
فإذا أسكن في لفظة هي فسد الوزن.
وأزجال ابن قزمان، ومدغليس، وابن عمير، والشاطبي، وابن حسون أئمة هذا الفن كلها مشحونة من ذلك، ولولا خشية الإطالة لأوردت لهم كثيراً من العيوب، وكيف يجوز لهم ذلك وقد قال ابن قزمان، وهو الإمام المخترع في خطبة ديوانه لما قال:
وجردت فني من الإعراب ... كما يجرد السيف من القراب
فمن دخل علي من هذا الباب ... فقد أخطأ وما أصاب
قال بعض زجالة المغرب: المصنف رحمه الله تعالى قال ذلك نهياً عن تقصد الإعراب وتتبعه والاستكثار منه لئلا يغلب على معظم أزجالهم التزنيم، بدليل قوله، سيما أن قصد ولو نهى عنه مطلقاً، أو عن اليسير منه ثم استعمله هو وقومه يصدق عليه قول القائل:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
وإنما أراد بذلك الغالب، والعلماء يطلقون على الغالب حكم الكل مجازاً.