تمهيد

خدم أسلافنا، -رَحِمَهُمُ اللهُ-، سائر فروع العلوم الإسلامية، حتى غدت هذه الأمة متميزة بين جميع الأمم بإرث حضاري خاص، لا يشاركها غيرها فيه، سواء من حيث الكم أو الكيف، وبذل الخلف جهودا مشكورة في سبيل إحياء بعض هذا التراث، لكنها تبقى دون المستوى المطلوب لإتمام الإخراج والنشر، وخصوصا أن هذا الأمر يتطلب قدرة علمية، وضوابط منهجية للتحقيق، ولا يخفى أن ما نشر من هذا التراث لا يخضع كله لهذه المقاييس والمعايير، ولذا فإنه من الواجب أن يعاد النظر في كثير منه للنظر فيما حقق مستوفيا للشروط العلمية والفنية، وفيما كان متسما منه بالصبغة التجارية.

إن الهدف الرئيسي لتحقيق أي نص من النصوص هو رده إلى حالته الأولى التي وضعه عليها المؤلف، أو على الأقل إلى أقرب صورة منها، وهذا عمل ليس بالأمر الهين؛ إذ يتطب مقاييس جد دقيقة، وأدوات للعمل؛ منها جمع النسخ والمقابلة فيما بينها، والرجوع إلى الموارد الأصلية التي استورد المؤلف منها نصوصه، فكانت معينة في تأليفه لمصنفه، وقد اعتاد الباحثون أن يتيسر لهم جمع المادة كما كان النص المراد تحقيقه غير موغل في القدم، لكن الأمر يصعب وتزداد المشقة كما تعلق التحقيق بمصنف يعود إلى قرون وقرون، وهذه المشقة غالبا ما تتكون من شقين شق يتعلق -بندرة النسخ للنص المراد تحقيقه، وشق ثان مرجعه إلى عدم توفر موارد المؤلف والمصنفات التي ألفت حوله شرحا أو تلخيصا أو استدراكا أو تعليقا.

لقد ترك سلف هذه الأمة تراثا إسلاميا ضخما، أخرج منه إلى النور القليل، ولا زال الكثير ينتظر أقلام العلماء وجهودهم لانتزاعه من ركام الرفوف وإنقاذه من عبث الأرضة به

ومن شأن الباحثين أن ينتقوا من النصوص ما يكفل لهم أكبر قدر من النجاح

طور بواسطة نورين ميديا © 2015