يكون فكره فكر من يراجع عقله.
وإذ قد تحققتَ ما ذكرنا من التفصيل، علمتَ أن قول امرئ القيس في وصف السنان1 أعلى طبقة من قول الآخر:
يتابع لا يبتغي غيره ... بأبيض كالقبس الملتهب2
لخلو الثاني عن التفصيل الذي تضمنه الأول، وهو قصر التشبيه على مجرد السنا وتصويره مقطوعا عن الدخان، ومعلوم أن هذا لا يقع في الخاطر أول وهلة، بل لا بد فيه من أن يتثبّت، وينظر في حال كل من الفرع والأصل، حتى يقع في النفس أن في الأصل شيئا يقدح في حقيقة التشبيه؛ وهو الدخان الذي يعلو رأس الشعلة.
وكذا قوله:
وكأن أجرام النجوم لوامعا ... درر نثرن على بساط أزرق3
أفضل من قول ذي الرمة:
كأنها فضة قد مسها ذهب4
لأن الأول مما يندر وجوده دون الثاني؛ فإن الناس أبدا يرون في الصياغات فضة قد مُوِّهت بذهب، ولا يكاد يتفق أن يوجد درر قد نثرن على بساط أزرق.