الحمد لله. وقال السكاكي1: يحتمل عندي أنه تعالى أخبر عما صنع بهما وعما قالا؛ كأنه قال: نحن فعلنا إيتاء العلم، وهما فعلا الحمد، من غير بيان ترتّبه عليه؛ اعتمادا على فهم السامع2 كقولك: "قم يدعوك" بدل: قم, فإنه يدعوك.
واعلم أن الحذف على وجهين:
أحدهما: ألا يقام شيء مقام المحذوف كما سبق3.
والثاني: أن يقام مقامه ما يدل عليه؛ كقوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ} [هود: 57] ليس الإبلاغ هو الجواب؛ لتقدمه على توليهم، والتقدير: "فإن تولوا فلا لوم علي لأني قد أبلغتكم"، أو: فلا عذر لكم عند ربكم لأني قد أبلغتكم. وقوله: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} [فاطر: 4] أي: فلا تحزن واصبر؛ فإنه قد كذبت رسل من قبلك، وقوله: {وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ} [الأنفال: 38] أي: فيصيبهم مثل ما أصاب الأولين4.
وأدلة الحذف5 كثيرة: منها أن يدل العقل على الحذف، والمقصود الأظهر6 على تعيين المحذوف؛ كقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ... } الآية [المائدة: 3] , وقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ... } الآية [النساء: 23] ؛ فإن العقل يدل على الحذف لما مر7، والمقصود الأظهر يرشدك إلى أن التقدير: حرم