اختصاصه بالعرب دون العجم؛ لانحصار الناس في الصنفين، ومن الثاني1 اختصاصه بالإنس دون الجن؛ لانحصار من يُتصوّر الإرسال إليهم من أهل الأرض فيهما. وعلى تقدير الاستغراق لا يلزم شيء من ذلك؛ لأن التقديم لما كان مفيدا لثبوت الحكم للمقدَّم ونفيه عما يقابله؛ كان تقديم "للناس" على "رسولا" مفيدا لنفي كونه رسولا لبعضهم خاصة2؛ لأنه هو المقابل لجميع الناس، لا لبعضهم مطلقا ولا لغير جنس الناس3.

وكذلك يُذْهَب في معنى قوله تعالى: {وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة: 4] إلى أنه تعريض بأن الآخرة التي عليها أهل الكتاب فيما يقولون: "إنه لا يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى، وإنه لا تمسهم النار فيها إلا أياما معدودات، وإن أهل الجنة لا يتلذذون في الجنة إلا بالنسيم والأرواح العَبِقة والسماع اللذيذ"4 ليست الآخرة5 وإيقانهم بمثلها ليس من الإيقان بالتي هي الآخرة عند الله في شيء، أي: بالآخرة يوقنون لا بغيرها كأهل الكتاب.

ويفيد التقديم في جميع ذلك -وراء التخصيص- اهتماما بشأن المقدم؛ ولهذا قدر المحذوف في قوله: {بِسْمِ اللَّهِ} مؤخرا، وأورد قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] فإن الفعل فيه مقدم، وأجيب بأن تقديم الفعل هناك6 أهم؛ لأنها أول سورة نزلت. وأجاب السكاكي7 بأن {بِاسْمِ رَبِّكَ} متعلق بـ "اقرأ" الثاني8، ومعنى الأول: افعل القراءة وأوجِدها، على نحو ما تقدم في قولهم: "فلان يعطي ويمنع"، يعني: إذا لم يُحمَل على العموم9, وهو بعيد10.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015