فالكلام الخالي من التعقيد اللفظي: ما سلم نظمه من الخلل؛ فلم يكن فيه ما يخالف الأصل -من تقديم أو تأخير أو إضمار أو غير ذلك- إلا وقد قامت عليه قرينة ظاهرة -لفظية أو معنوية- كما سيأتي تفصيل ذلك كله, وأمثلته اللائقة به.

والثاني ما يرجع إلى المعنى, وهو ألا يكون انتقال الذهن من المعنى الأول إلى المعنى الثاني الذي هو لازمه والمراد به ظاهرا1؛ كقول العباس بن الأحنف "من الطويل":

سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا ... وتسكب عينايَ الدموع لتجمدا2

كنى بسكب الدموع عما يوجبه الفراق من الحزن3، وأصاب؛ لأن من شأن البكاء أن يكون كناية عنه؛ كقولهم: "أبكاني وأضحكني" أي: ساءني وسرني، وكما قال الحماسي "من السريع":

أبكاني الدهر ويا ربما ... أضحكني الدهر بما يرضي4

ثم طرد ذلك في نقيضه، فأراد أن يكني عما يوجبه دوام التلاقي من السرور بالجمود؛ لظنه أن الجمود خلو العين من البكاء مطلقا من غير اعتبار شيء آخر، وأخطأ5؛ لأن الجمود خلو العين من البكاء في حال إرادة البكاء منها؛ فلا يكون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015