وقد ظهر من هذا أن قوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا} [الأعراف: 4] ليس واردا على القلب1؛ إذ ليس في تقدير القلب فيه اعتبار لطيف، وكذا قوله تعالى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى} 2، وكذا قوله تعالى: {اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} 3 فأصل الأول: أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا أي: إهلاكنا، وأصل الثاني: ثم أراد الدنوّ من محمد -صلى الله عليه وسلم- فتدلى فتعلق عليه في الهواء، ومعنى الثالث: تَنَحَّ عنهم إلى مكان قريب تتوارى فيه؛ ليكون ما يقولونه بمسمَع منك، فانظر ماذا يرجعون، فيقال: إنه دخل عليها من كُوَّة، فألقى الكتاب إليها وتوارى في الكوة. وأما قول خِدَاش:
وتشقى الرماح بالضَّياطِرَة الحُمْر4
فقد ذُكر له سوى القلب5 وجهان: أحدهما: أن يجعل شقاء الرماح بهم استعارة عن كسرها بطعنهم بها، والثاني: أن يجعل نفس طعنهم شقاء لها تحقيرا لشأنهم, وأنهم ليسوا أهلا لأن يُطعنوا بها، كما يقال: "شَقِيَ الخز بجسم فلان"، إذا لم