فأبو هريرة - رضي الله عنه - كتم الأحاديث التي فيها الفتن، والأحاديث التي في بني أمية، ونحو ذلك من الأحاديث، ككتمه لأسماء الأُغَيْلمة السُّفهاء الذين يكون هلاك الأمة على أيديهم؛ فقد قال - رضي الله عنه - سمحت الصادق المصدوق يقول: "هلكةُ أُمتي على يدَي غِلْمَةٍ من قريش" ... ثم قال أبو هريرة: "لو شئت أن أقول بني فلان، بني فلان لفعلت" (?). وفي رواية: "إن شئْت أن أُسَمِّيَهُمْ، وبني فلان، وبني فلان" (?).
"فأبو هريرة - رضي الله عنه - كتم الوعاء الآخر الذي حفظه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبثه، بل حفظ لسانه وكفه من إشاعته؛ درءًا للمفسدة وخشية الفتنة، علمًا بأنه قال هذا الكلام في زمن معاوية رضي الله عنه، ومعاوية قد اجتمع الناس عليه بعد فرقة وقتال، معلوم في التاريخ ما حصل فيه، فأبو هريرة كتم الوعاء الآخر، ولم يبثه في ذلك الزمن، وكتم - أيضًا- بعض الأحاديث الأخرى التي ليست من الأحكام الشرعية؛ كل ذلك لأجل ألَّا تكون فتنة بين الناس، فهو - رضي الله عنه - لم يقل: إن رواية الحديث وقوله حق، ولا يجوز كتمان العلم، لم يقل ذلك؛ لأن كتم العلم في مثل ذلك الوقت -وقت الفتن- الذي تكلم فيه أبو هريرة لا بُدَّ منه؛ جلبًا للمصلحة ودرءًا للمفسدة، لكيلا يتفرق الناس شذَر مذَر بعد أن اجتمعوا في عام الجماعة على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه. وصنيع أبي هريرة هذا يدل على حكمته وحصافته وفطنته رضي الله عنه؛ حيث حفظ لسانه زمن الفتنة بُغية اجتماع الأمة وعدم افتراقها" (?).