- إطفاء الفتنة وإخماد نارها؛ لأن الناس كلما اعتزلوا الفتن؛ قلَّ أهلها، فَقَلَّ شرها، وكلما تشرَّفوا لها وقاموا وقعدوا فيها، كثَّروا سواد أهلها، فزاد شرها، وعظم خطبها. ولذلك بَوَّب البخاريّ في "صحيحه" في كتاب الفتن، فقال: باب من كره أن يُكَثِّر سواد أهل الفتن والظلم، وذكر فيه حديث أبي الأسود، قال: قطع على أهل المدينة بعثٌ فاكتتبت فيه، فلقيت عكرمة فأخبرته، فنهاني أشد النهي، ثم قال: أخبرني ابن عباس - رضي الله عنهما-: أن ناسًا من المسلمين كانوا مع المشركين يُكثِّرون سواد المشركين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيأتي السهم يصيب أحدهم فيقتله، أو يضر به فيقتله، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النساء: 97].
الأول: اعلم -رحمك الله تعالى- أن العزلةَ لا تشرع مطلقًا، لكن لها حالات استثنائية تشرع فيها، وما ورد من النصوص في مدح العزلة مطلقًا يُحْمَل على أنه خاص بأفراد معينين تضر المخالطة بدينهم ودنياهم، أو أنه خاص بزمان الفتن التي أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - باعتزالها.
الثاني: اعلم أن العزلة في إلفتن على وجهين بحسب الحاجة والمصلحة، وبحسب القدرة والاستطاعة:
أحدهما: العزلة التامة في مكان بعيد عن الناس.
والآخر: العزلة النسبية أو الجزئية؛ بحيث يعتزل الفتن وأهلها، ولا يشارك فيها، وإن كان مقيمًا بين ظهراني الناس.