وحقيقة المُلْك هو التصرّف بالأَمر والنهى فى الجمهور، وذلك يختصّ بسياسة الناطقين، ولهذا يقال: ملِك النَّاسِ، ولا يقال: ملِك الأَشياء. وقوله تعالى: {مالك يَوْمِ الدين} فتقديره: الملِك فى يوم الدِّين. وذلك كقوله {لِّمَنِ الملك اليوم} .
والمُلْك ضربان: مُلْكُ هو التملُّك والتولِّى، ومُلْك هو القوّة على ذلك توَّلى أَو لم يتولَّ. فمن الأَوّل قوله تعالى: {إِنَّ الملوك إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا} ، ومن الثانى قوله تعالى: {إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً} فجعل النبوّة مخصوصة، والمُلْك فيهم عامًّا؛ فإِنَّ معنى المُلْك هاهنا هو القوَّة الَّتى بها يُتَرَشَّح للسياسة، لا أَنهم جعلهم متولِّين للأَمر، فذلك منافٍ للحكمة؛ كما قيل: لا خير فى كثرة الرّؤساءِ.
وقال بعضهم: المَلِك اسم لكلِّ من يملك السياسة، إِمّا فى نفسه - وذلك بالتمكُّن من زِمام قواه وصرفها عن هواها - وإِمّا فى نفسه وفى غيره، سواءٌ تولَّى ذلك أَو لم يتولَّ، على ما تقدّم.
واعلم أَن تقاليب هذه المادّة كلَّها مستعملة.. وهى م ك ل، وم ل ك، وك م ل، وك ل م، ول ك م، ول م ك. وقال الإِمام فخر الدّين: تقاليبها الستَّة تفيد القوّة والشدّة، خمسة منها معتبرة، وواحد ضائع. فعدّ كلم وكمل ولكم ومكل وملك، وعدّ لمك ضائعاً، وهذا منه غريب؛ لأَنَّ المادّة الضائعة عنده معتبرة معروفة عند أَهل اللغة، قال صاحب العباب: اللّمْك والِلَّماك: الجِلاء يُكحل به العين. واللَّميك: المكحول