إِدراك الذات وإِدراك صفاتها، وهذا يرجع إِلى تخليص الذات من غيرها، وتخليص صفاتها من صفات غيرها.
الفرق الرابع: أَنك إِذا قلت: علمت زيداً لم تفد المخاطب شيئاً، لأَنَّه يَنتظر أَن تخبره على أَىّ حال علمته، فإِذا قلت: كريماً أَو شجاعاً حصلت له الفائدة، وإِذا قلت: عرفت زيدا استفاد المخاطب أَنك أَثبتَّه وميّزته عن غيره ولم يبق ينتظر شيئاً آخر. وهذا الفرق فى التحقيق إِيضاح الذى قبله.
الفرق الخامس: أَنَّ المعرفة علم بعين الشىءِ مفصَّلاً عمّا سواه، بخلاف العلم فإِنه قد يتعلَّق بالشىءِ مُجملاً، فلا يتصوّر أَن يعرف الله البتَّة، ويستحيل هذا الباب بالكليّة؛ فإِن الله سبحانه لا يحاط به علمًا ولا معرفة ولا رؤية، فهو أَكبر من ذلك وأَعظم. قال تعالى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ} .
والفرق بين العلم والمعرفة عند المحقِّقين أَنَّ المعرفة عندهم هى العلم الذى يقوم العالِم بموجَبه ومقتضاه، فلا يطلقون المعرفة على مدلول / العلم وحده، بل لا يصفون بالمعرفة إِلاَّ من كان عالِمًا بالله وبالطَّريق الموصِّل إِليه وبآفاتها وقواطعها وله حال مع الله يشهد له بالمعرفة. فالعارف عندهم مَن عرف الله سبحانه بأَسمائه وصفاته وأَفعاله، ثمّ صَدَق الله فى معاملاته، ثمّ أَخلص له فى قصوده ونِيَّاتِه، ثمّ انسلخ من أَخلاقه الرّديئة وآفاته، ثمّ تطهَّر من أَوساخه وأَدرانه ومخالفاته، ثم صبر على أَحكامه فى نِعمه