إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ} أَى يَتَحَرَّون أَفعالا يقصدون بها أَن تَضِلّ، فلا يحصل من فعلهم ذلك إِلاَّ ما فيه ضلال أَنفسهم.
وإِضلال الله تعالى للإِنسان على وجهين:
أَحدهما: أَن يكون سببه الضلال. وهو أَن يَضِلّ الإِنسانُ فيحكم الله عليه بذلك فى الدنيا، ويعدل به عن طريق الجنَّة إِلى النار فى الآخرة. وذلك الإِضلال هو حقّ وعَدْل؛ فإِنَّ الحكم على الضَّال بضلاله، والعدولَ به عن طريق الجنَّة إِلى النار حقّ وعدل.
والثانى: من إِضلال الله: هو أَنَّ الله تعالى وضع جِبِلَّة الإِنسان على هيئةٍ إِذا راعى طريقًا محمودًا كان أَو مذمومًا أَلِفه واستطابهُ، وتعسّر عليه صرفُه وانصرافه عنه. ويصير ذلك كالطبْع الذى يأبى على النَّاقل؛ ولذلك قيل: العادة طبع ثان. وهذه القوّة فينا فعلٌ إِلهىّ.
وإِذا كان كذلك، وقد ذكر فى غير هذا الموضع أَن كل شىء يكون سببًا فى وقوع فعل يصحّ نسبة ذلك الفعل إِليه، فصحَّ أَن ينسب ضلال العبد إِلى الله من هذا الوجه، فيقال: أَضلَّه الله، لا على الوجه الذى يتصوّره الجَهَلة. ولِمَا قلنا جعَل الإِضلال المنسوب إِلى نفسه للكافر والفاسق دون المؤمن، بل نفى عن نفسه إِضلال المؤمن فقال: {وَمَا كَانَ الله لِيُضِلَّ