النَّحْل 67 قَالَ الشَّيْخ وَهَذَا ظَاهره تعداد النِّعْمَة وباطنه تعيير وتقريع وتوبيخ يَقُول الله تَعَالَى رزقتكم ثَمَرَات النخيل وَالْأَعْنَاب فاتخذتم مِنْهُ السكر وعدلتم عَن الرزق الْحسن
فالمفهوم من هَذَا القَوْل أَن الله تبَارك اسْمه عرفكم بمنه ونعمه عَلَيْكُم ووبخكم بتغييركم لنعمه فَكَأَنَّهُ تبَارك وَتَعَالَى قَالَ {وَمن ثَمَرَات النخيل وَالْأَعْنَاب تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سكرا وَرِزْقًا حسنا} النَّحْل 67 فَالْمَعْنى تَتَّخِذُونَ من الرزق الْحسن سكرا وبدلتم الطّيب بالخبيث وَهَذِه غَايَة الْكفْر بنعم الله تَعَالَى أَن تسْتَعْمل فِي معاصي الله تَعَالَى فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة وَقد أعاب الله تَعَالَى فِي الْخمر ثمَّ امْتنع نَاس من شربهَا وَبَقِي على شربهَا الْأَكْثَرُونَ حَتَّى هَاجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة
فَخرج حَمْزَة بن عبد الْمطلب رَضِي الله عَنهُ وَقد شرب الْخمر حَتَّى سكر مِنْهَا فَلَقِيَهُ رجل من الْأَنْصَار وَبِيَدِهِ نَاضِح لَهُ والأنصاري يتَمَثَّل ببيتين من شعر لكعب بن مَالك فِي مدح قومه وَذكر مفاخرهم وهما
(جَمعنَا مَعَ الإيواء نصرا وهجرة ... فَلم يرج حَيّ مثلنَا فِي المعاشر)
(فأحياؤنا من خير أَحيَاء من مضى ... وأمواتنا من خير أهل الْمَقَابِر)
فَقَالَ حَمْزَة رَضِي الله عَنهُ أُولَئِكَ الْمُهَاجِرُونَ فَقَالَ الْأنْصَارِيّ بل نَحن الْأَنْصَار فتنازعا فَجرد حَمْزَة سَيْفه وَعدا على الْأنْصَارِيّ فَلم يُمكن الْأنْصَارِيّ أَن يقوم بِهِ فَانْهَزَمَ وَترك نَاضِحَهُ فقصد حَمْزَة إِلَى الناضح فَضَربهُ بِالسَّيْفِ فَقَطعه وَمضى الْأنْصَارِيّ مستعديا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ بِخَبَر حَمْزَة وفعاله بالناضح فَأعْطى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأنْصَارِيّ ناضحا
فَقَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أما ترى مَا نلقى من أَمر الْخمر يَا رَسُول الله إِنَّهَا مذهبَة لِلْعَقْلِ متلفة لِلْمَالِ فَأنْزل الله تَعَالَى بِالْمَدِينَةِ {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر قل فيهمَا إِثْم كَبِير} الْبَقَرَة 219 وَقُرِئَ كثير والمعنيان متقاربنا {وَمَنَافع للنَّاس} الْبَقَرَة 219 وعَلى هَذَا مُعَارضَة لقَائِل أَن يَقُول أَيْن