(لَا فَخر إِلَّا فَخر أهل التقى ... غَدا إِذا ضمهم الْمَحْشَر)
حُكيَ عَن بعض السادات أَنه قَالَ نظر إِلَيّ بهْلُول وَأَنا أبني دَارا فَقَالَ لمن هَذَا الدَّار فَقلت لرجل من كبار أهل الْكُوفَة فَقَالَ أرنيه فأريته إِيَّاه فناداه يَا هَذَا لقد تعجلت الْجِنَايَة قبل الْعِنَايَة إسمع إِلَى صفة دَار كَونهَا الْعَزِيز أساسها الْمسك وبلاطها العنبر اشْتَرَاهَا عبد أزعج للرحيل كتب على نَفسه كتابا وَأشْهد على عقد ضمائره شُهُودًا هَذَا مَا اشْترى العَبْد الجافي من الرب الوافي اشْترى مِنْهُ هَذِه الدَّار بِالْخرُوجِ من ذل الطمع إِلَى عز الْوَرع فَمَا أدْرك المُشْتَرِي من دَرك فِيمَا اشْتَرَاهُ فعلى الْمولى خلاص ذَلِك
شهد على لَك العقد وَهُوَ الْأَمْن والخواطر وَذَلِكَ فِي إدبار الدُّنْيَا وإقبال الْآخِرَة وَلِهَذَا الدَّار حُدُود أَربع فالحد الأول يَنْتَهِي إِلَى مبادئ الصَّفَا وَالْحَد الثَّانِي إِلَى ترك أَخْلَاق الجفا وَالْحَد الثَّالِث يَنْتَهِي إِلَى مدارج أهل الوفا وَالْحَد الرَّابِع يَنْتَهِي إِلَى السّكُون وَالتَّسْلِيم وَالرِّضَا فِي جوَار من على الْعَرْش اسْتَوَى وَلِهَذَا الدَّار شَارِع يَنْتَهِي إِلَى دَار الْخلد وَالسَّلَام وخيام قد ملئت بالولدان والخزام لَيْسَ فِيهَا أسقام وَلَا ضرّ وَلَا آلام وَلَا يَذُوق سَاكن هَذِه الْأَمَاكِن سَكَرَات الْحمام
يَا لَهَا من دَار لَا يَنْقَضِي نعيمها وَلَا يبيد كريمها دَار أسست فَجعل من الدّرّ والياقوت شرف تِلْكَ الْحُدُود وَجعل بلاطها من الْبَهَاء والنور ومليء خيامها من جوَار بِهن كمل السرُور من الْعين الْحور لَيْسَ لَهُنَّ سوى الدّين وَالتَّقوى مُهُور فَترك الرجل قصره وَتَابَ إِلَى الله عز وَجل وهام على وَجهه وَجعل البهلول يُنَادي خَلفه وَيَقُول
وأنشدوا
(طَابَ الْمقَام وطاب فِيهِ نعيمه ... فِي دَار عدن والجليل يرَاهُ)
فَالله الله يَا عباد الله لَا تغتروا بِبِنَاء الدّور وتشييد الْقُصُور فعما قَلِيل تخرب وتخرجون مِنْهَا إِلَى ضيق اللحود وظلمات الْقُبُور وأنشدوا
(سَلام على أهل الْقُبُور الداورس ... كَأَنَّهُمْ لم يجلسوا فِي الْمجَالِس)