يروعانه ويفعلان بِهِ ذَلِك وَأما الْمُؤمن فَكيف قَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام كَذَلِك أَمر رَبك يَا مُحَمَّد فَأَما الْكَافِر فَلَا يجد من عَذَاب الله فَتْرَة من حِين يدْخل قَبره وَأما الْمُؤمن فَتكون لَهُ تِلْكَ الروعة كَفَّارَة لما مضى من ذنُوبه فِي الدُّنْيَا فَإِذا خرج من قَبره خرج مغفورا لَهُ ثمَّ لَا يدْرِي روعة بعْدهَا أبدا
ذكر أَن بعض الْمُلُوك بنى قصرا وشيده فأعجب بذلك وسر بِهِ فَلَمَّا كَانَ فِي بعض اللَّيْل سمع قَائِلا يَقُول
(كَأَنِّي بِهَذَا الْقصر قد باد أَهله ... وأوحش مِنْهُ أَهله ومنازله)
(وَصَارَ مشيد الْقصر من بعد بهجة ... وَملك إِلَى قبر عَلَيْهِ جنادله)
(وَلم يبْق إِلَّا ذكره وَحَدِيثه ... تنادي بلَيْل معولات حلائله)
(فَخذ عدَّة للْمَوْت إِنَّك ميت ... وَإنَّك مسؤول فَمَا أَنْت قَائِله)
فَأَجَابَهُ الْملك وَهُوَ يَقُول
(أَقُول بِأَن الله حق شهدته ... فَذَلِك قَول لَيْسَ تخفى فضائله)
فَأَجَابَهُ الْهَاتِف وَهُوَ يَقُول
(فوَاللَّه يَا فدم إِنَّك ميت ... وَقد أزف الْأَمر الَّذِي أَنْت نازله)
فَأَجَابَهُ الْملك وَهُوَ يَقُول
(مَتى ذَاك حَدثنِي هديت فإنني ... سأفعل مَا قد قلته وأعاجله)
فَأَجَابَهُ الْهَاتِف وَهُوَ يَقُول
(تقيم ثَلَاثًا بعد عشْرين لَيْلَة ... إِلَى مُنْتَهى شهر وَمَا أَنْت كَامِله)
قَالَ فَلم يتم الشَّهْر حَتَّى مَاتَ
وَقَالَ بعض الشُّعَرَاء فِي هَذَا الْمَعْنى
(تمنت نَفسه قصرا مشيدا ... يلد بِهِ ليعمره جَدِيدا)
(فَلَمَّا تمّ عاجله حمام ... فَأخْرجهُ إِلَى جدث فريدا)
(فَقل لِذَوي الترجح فِي الْأَمَانِي ... وَلَا يَبْغُونَ فِي التَّقْوَى مزيدا)
(تهابوا الْمَوْت إِن لَهُ مجالا ... فَمَا يبْقى الْكَبِير وَلَا الوليدا)
ويختطف الْمُلُوك ذَوي الْمَعَالِي ... وَلَا يخْشَى الجيوش وَلَا الجنودا)