(غادرته فِي بَعضهنَّ ... مجندلا وَهُوَ الحبيب)
حُكيَ أَن رجلا من الصَّالِحين رَحمَه الله حضر جَنَازَة فَلَمَّا وضعوها فِي قبرها وَانْصَرف أَهلهَا وقف على قبر صديق لَهُ فناداه يَا حبيب
يَا فلَان الصّديق فَلم يجبهُ أحد فَأَنْشَأَ يَقُول
(أحبيب مَالك لَا تجيب مناديا ... أنسيت بعدِي جملَة الأحباب)
فَأَجَابَهُ مُجيب يسمع صَوته وَلَا يرى شخصه وَهُوَ يَقُول
(قَالَ الحبيب وَكَيف لي بجوابكم ... وَأَنا رهين جنادل وتراب)
(أكل التُّرَاب محاسني ونسيتكم ... وحجبت عَن أَهلِي وَعَن أحبابي)
(فَعَلَيْكُم مني السَّلَام تقطعت ... مني ومنكم عقدَة الْأَنْسَاب)
يَا مِسْكين فَهَذِهِ صفتكم وَصفَة إخْوَانكُمْ وأحبابكم وجيرانكم وأصحابكم فاعتبروا بهم وعظوا أَنفسكُم وأبكوا طول حَيَاتكُم أَيَّام وحشتكم وَبعد رقدتكم وَطول غربتكم وانفرادكم فِي قبوركم ووحدتكم فَعَسَى الله مولاكم أَن يَرْحَمكُمْ فيؤنسكم فِيهَا بأنس كرامته وينورها بِنور مغفرته ويجعلها لكم أول منزلَة من منَازِل الْجنَّة وينجيكم فِيهَا من كل عَذَاب ومحنة إِنَّه المنان الْكَرِيم المتفضل الرَّحِيم
رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ ارْحَمْ مَا يكون الْمولى جلّ جَلَاله بِعَبْدِهِ إِذا دخل قَبره وتفرق النَّاس وَأَهله فَمن أَكثر من ذكره وجده رَوْضَة من رياض الْجنَّة
وَمَا من يَوْم إِلَّا وَالْأَرْض تنادي بِخمْس كَلِمَات يَا ابْن آدم تمشي على ظَهْري ومصيرك إِلَى بَطْني يَا ابْن آدم تضحك على ظَهْري وسوف تبْكي فِي بَطْني يَا ابْن آدم تفرح على ظَهْري سَوف تحزن فِي بَطْني يَا ابْن آدم تذنب على ظَهْري وسوف تعذب فِي بَطْني يَا ابْن آدم تَأْكُل الْحَرَام على ظَهْري وسوف يَأْكُلك الدُّود فِي بَطْني يَا ابْن آدم كم من مَحْسُود فِي حَيَاته يود إِذا نزل فِي حفرته لَو كَانَ كل مَا جمعه وَخَلفه لأعدائه وحساده فكم من تَارِك لِعِيَالِهِ مَا يصلحهم لمعادهم