يحْكى عَن الْأَصْمَعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ مَرَرْت بأعرابي وَهُوَ وَاقِف على مَقْبرَة فَقلت لَهُ يَا أَخا الْعَرَب مَا هَذَا الْموضع الَّذِي أَنْت فِيهِ فَقَالَ
(هذي منَازِل أَقوام عهدتهم ... فِي رغد عَيْش نَفِيس مَا لَهُ خطر)
(صاحت بِهن نائبات الدَّهْر فانقلبوا ... إِلَى الْقُبُور فَلَا عين وَلَا أثر)
عباد الله من كَانَ مصيره إِلَى الْقَبْر مَا للفرح إِلَيْهِ سَبِيل والقبر يُنَادِيه كل يَوْم يَقُول لَهُ لَا بُد لَك مني فَمَاذَا قدمت لي من عمل صَالح وأنشدوا
(أَجَارَ الدَّهْر لَيْسَ لَهُ جوَار ... وَحسن الظَّن بالدنيا اغترار)
(إِذا مَا رمت يَوْمًا كَانَ يَوْمًا ... وَنقص الْبَدْر غَايَته السرَار)
(ودع حرص الجبان على حَيَاة ... وأجمل إِن عمرك مستعار)
(وَذُو الآمال مِنْهَا فِي غمار ... وَعند الْمَوْت ينْكَشف الغمار)
(ويرجو الْمَرْء أَن يبْقى سليما ... ويأبى اللَّيْل ذَلِك وَالنَّهَار)
(وَهل تخطي الْمنية نفس حَيّ ... وهاديها رواح وابتكار)
قيل كَانَ الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ إِذا رأى الْقُبُور قَالَ مَا أحسن ظواهرها وَإِنَّمَا الدَّوَاهِي فِي بطونها
فَالله الله عباد الله لَا تشتغلوا بالدنيا فَإِن الْقَبْر بَيت الْعَمَل فاعملوا وَلَا تغفلوا وأنشدوا
(يَا من بدنياه اشْتغل ... وغره طول الأمل)
(الْمَوْت يَأْتِي بَغْتَة ... والقبر صندوق الْعَمَل)
أخي لَو رَأَيْت الْمَيِّت فِي قَبره بعد ثَلَاثَة أَيَّام لاستوحشت من فَقده بعد طول الْأنس بناحيته وَلَو رَأَيْت كَيفَ تجول فِيهِ الْهَوَام وَيجْرِي فِيهِ الصديد وتخرقه الديدان مَعَ تغير الرّيح وبلاء الأكفان بعد حسن الهيأة وَطيب الرّيح ونقاء الثَّوْب
وأنشدوا
(باتوا على قلل الأجبال تحرسهم ... غلب الرِّجَال فَلم تنفعهم القلل)
(واستنزلوا من أعالي عز معقلهم ... واسكنوا حفرا يَا بئس مَا سكنوا)