فاذكر حالك أَيهَا الغافل يَوْم تقلبك على المغتسل يَد الْغَاسِل قد زَالَ عزك عَنْك وسلب مَالك مِنْك وأخرجت من بَين أحبابك وجهزت لترابك وَأسْلمت إِلَى الدُّود وصرت رهنا بَين اللحود وَبكى عَلَيْك الباكون قَلِيلا ثمَّ نسوك دهرا طَويلا فتغيرت مِنْك المحاسن والمحلى وتحكم فِي أعضائك البلى وَقطعت فِي الأكفان وسعى إِلَيْك الديدان فبلى مِنْك اللِّسَان وسالت الحدق كَأَنَّك لم تكن قطّ مِمَّن رأى وَلَا نطق
وأنشدوا
(فَلَو أَنا إِذا متْنا تركنَا ... لَكَانَ الْمَوْت رَاحَة كل حَيّ)
(وَلَكنَّا إِذا متْنا بعثنَا ... ونسأل بعْدهَا عَن كل شَيْء)
ابْن آدم كَأَنَّك بِالْمَوْتِ قد حل بساحتك وَحَال بَيْنك وَبَين مَا تُرِيدُ وَأَنت فِي النزع وَالْكرب الشَّديد لَا وَالِد يدْفع عَنْك وَلَا وليد وَلَا عدَّة تنجيك وَلَا عديد وَلَا عشيرة تحميك وَلَا قصر مشيد
أَلَيْسَ ذَلِك نَازل بك على كل حَال أَي وَعزة الْكَبِير المتعال فَإنَّك الْآن حِين ينفعك الْبكاء والاستكانة قبل حُلُول الْحَسْرَة والندامة
وأنشدوا
(يَا من يَمُوت وَيسْأل ... عَمَّا يَقُول وَيفْعل)
(إِن الْمُوكل بالنفوس ... إِذا أَتَى لَا يُمْهل)
(وَالنَّار منزل من عصى ... وَالنَّار بئس الْمنزل)
يَا ابْن آدم بَادر إِلَى حسن الْعَمَل بَينا أَنْت فِي فسحة ومهل وَتب إِلَى مَوْلَاك من قَبِيح الْخَطَايَا والزلل قبل أَن يُقَال فلَان عليل أَو مدنف ثقيل فَهَل إِلَى دوائه سَبِيل أَو على طَبِيب من دَلِيل فَتُدْعَى لَك الْأَطِبَّاء وَيجمع لَك الدَّوَاء فَلَا يزيدك ذَلِك إِلَّا بلَاء
وَقد اجتمعه عنْدك الإخوان والأحباء والأهل والأقرباء وَكثر حولك الْبكاء ثمَّ يُقَال حشرج وَنَفسه توشك أَن تخرج وَأَنت تعاين الْأَمر الْعَظِيم بعد اللَّذَّة وَالنَّعِيم وَعدلت ببصرك عَن الْقَرِيب وَالْحَمِيم وَحل بك الْقَضَاء وَخرجت الرّوح من الْأَعْضَاء ثمَّ عرج بهَا إِلَى السَّمَاء فيا لَهَا من سَعَادَة أَو شقاء
وأنشدوا
(فَلَو يكن شَيْء سوى الْمَوْت والبلى ... وتفريق أَعْضَاء وَلحم مبدد)